كتب : فراس محمد
التقييم : 4.5/5
بطولة : روبرت ريدفورد
إخراج : جي سي تشاندر (2013)
النتيجة الأوضح التي خرجت بها عقب مشاهدتي لهذا الفلم , اني افضله على
Gravity ، الفلمان متقاربان في طرح الموضوع مختلفان في المعالجة
، ولكن ماهي اسباب تفضيلي له على Gravity رغم ان كلاهما
تم صنعه بنفس العقلية العنيدة التي لجأت لأيصال المشاهد لأشد درجات التعايش مع واقع
الشخصية ، ورغم ان كلاهما ألتف على بعض كليشيهات هذا النمط من السينما ، و لكن السبب
الاوضح بالنسبة لي ايضا أن ما لم استطع نسبياً تقبله في Gravity استطاع هذا
الفلم تجنبه .
كبداية , هذا الفلم اكتفى ببضعة كلمات في مقدمته لخصت كل شيء , حينها بدا
لي أن اي حيلة في السيناريو كانت لتبدو حشو او ابتعاداً عن هدف الفلم ، الثلاثين كلمة
أو الاقل بقليل وبطريقة إلقاء تعبر عما ننتظره من الشخصية اختصرت عليه اقحام أي شخصية
ثانوية ، ثانوية بالمعنى الفعلي للكلمة كما الحيلة التي لجأ لها سيناريو فلم Gravity بايجاد مكان
للشخصية التي قدمها جورج كلوني ، والتي كانت بالنسبة لي ابرز نقاط الضعف والازعاج فيه .
الفلم لا يتحدث فقط عن العزلة وعن ارادة الحياة , بل عن الوحدة ايضاً
, الشخصية التي قدمها روبيرت ريدفورد لا تبدو أنها اجبرت على الوجود في هذا المكان والزمان
, و ذلك من خلال خلق علاقة عاطفية بينه و بين عالمه المحدود الذي آثر الانتماء له
(القارب و أشياءه) , لذلك بدت مشاهد غرق القارب توحي بأن قاربه هو عالمه , هو العالم
الذي تخلى عنه , هو القشة شبه الاخيرة التي تربطه وتجذبه ، هو الشيء الذي يظهر كمية
الهشاشة التي من الممكن ان يكون التواجد بها في الحياة قائماً ، و رغم ان Gravity لم يعطي
لهذا الجانب اي اهتمام بطبيعة مهمة العمل الموكلة للشخصية التي قدمتها ساندرا بولوك ،
وهذا افقد الفلم برأيي الفارق العاطفي الذي يجعل المخاطرة من اجله ممكناً ، حتى ولو
كانت مخاطرة على شكل الانعزال في قارب او السفر للفضاء .
العاملين الأكثر أهمية في تفضيلي لهذا الفلم يكمن في أن هذا الفلم فعلاً
لم يكن بحاجة لتقنية الثري دي كي يمنح الشعور الاقوى بمعايشة الشخصية و نقل ظروف المحيط
و تأثيراته عليه ، على عكس Gravity الذي لم
اشاهده بهذه التقنية والذي اعرف سلفاً اني لم اشاهده كما يجب ان يُشاهد ، التعرف في
هذا الفلم على ظروف وصعوبة المناخ المحيط كانت تظهر في معاناة الشخصية , في تعابيرها
و عينيها واظهارها ليأسها حتى في اشد ساعات الأمل ، في نظرتها للقارب وهو يغرق , في
استكشافه للعواصف و للشمس و للماء الصالح للشرب وللطعام و لكل تغيير يطرأ ساهم ايجاباً
أو سلباً في نقل شعوره و أثر ما يحدث عليه .
العامل الآخر الذي كان الفلم حاسم و صارم في تقديمه ، و هو الذي وقع Gravity في فخه أكثر
من مرة من خلال اصرار السيناريو على ترك بارقة أمل في كل مرة , لدرجة يعطي شعوراً مزعج
بأن نهاية الفلم معروفة سلف ، هذا الفلم كان على العكس تماماً ، الفلم لا يرغب في ان
يجعل الامل (العامل الأكثر تجارية في السينما) , أن تقف حاجز أمام ما
يريد ان يختبره ، و يقدمه ، الحياة ليست بهذه السهولة فهي تعطي فرصها باستمرار ، و
أن ارادة الحياة لا تتمثل فقط في النجاة بل في المحاولة ، في صمود غريزة البقاء أمام
كل الظروف حتى في الوقت الذي فقدت فيه الشخصية كل شيء ، الأمل احياناً يعاكس الحياة
و يقف في وجهها ، و الثلث الاخير من الفلم كثف من هذه الفكرة ومن خلالها قدم فكرة لا
تقل أهمية , أن الحياة قادرة على ترك شخصية كهذه خلفها , قادرة على الوقوف ضده نتيجة
خياراته ، فهو الذي فضل الانزواء ، و هو الذي فضل الوحدة و عليه أن يتحمل مسؤولية هذا
القرار .
الأمر الآخر الحاسم في هذا الفلم أن روبيرت ريدفورد لم يترك
اي مجال لمقارنة أداءه بأداء ساندرا بولوك في Gravity ، ترفع له
لقبعة و هو في هذا العمر يقدم فلما كهذا وبظروف لا أعتقد انها تقل صعوبة عن اي دور
آخر قدمه خلال خلال شبابه ، الرجل الذي يملك حماساً تجاه التجارب السينمائية ، و هو
الذي سبق له ان أسس لمهرجان السينما المستقلة واسماه تميناً بشخصيته الشهيرة بفلم جورج روي هيل Butch Cassidy and
Sundance Kid ، عند مشاهدة أداء كهذا ، هل فعلاً كان الفلم يحتاج
لأي مونولوج او تمهيد حواري او شخصية ثانوية او فلاش باك أو أي حل اخراجي يوصل هذه
الشخصية للمشاهد ؟ ، اعتقد ان مخرج هذا الفلم كان محظوظاً بإعطاء هذه الشخصية لريدفورد ، لأنه
اعطى زخماً عاطفياً كبيراً للشخصية ، التي تعاطفت معها كما لم اتعاطف مع شخصية اخرى
من شخصيات 2013 ، الأداء كان كافياً لأن اتمنى خلاص الشخصية و نجاتها ، الأداء كان
كافياً لامتصاص بطء تطور الاحداث ، كان كافياً للاستغناء عن الثري دي ، كان كافياً
للإستغناء عن الحوار ، و كان كافياً لجذب المشاهد لها طيلة ساعتين من الزمن (اطول من
Gravity بنصف ساعة) .
لا يمكن انهاء الحديث عن هذا الفلم دون الحديث عن الموسيقى التصويرية التي
لا تبدو (موسيقياً) هي الميزة الوحيدة فيها ، بل توظيفها اعطاها ابعاداً
اهم واجمل ، لم توظف هذه الموسيقى كي تملي عليك كيف تشعر ازاء المواقف التي نراها في
الفلم ، بل لتكثف بأشد درجة ممكنة من شعور الموقف , من احساس التعاطف تجاه هذه المواقف
، ربما ابرز ميزات الفلم انه كان سينال من مشاهديه هذا التعاطف حتى دون موسيقى تصويرية
, وأتت هذه الموسيقى لتكثفها وتمنحها الحيز العاطفي الكامل والضروري .
هذا فلم لا يجب ان يتحلى أحد بالجراة لإعادة تقديمه بذات الشكل ، طريقة
المعالجة و روبيرت ريدفورد سدا كل الطرق برايي لتقديم تجربة ناجحة بهذه المقاييس
وبهذا الأسلوب العنيد والذكي .
0 التعليقات :
إرسال تعليق