كتبت : فاطمة توفيق
تقييمه : 4/5
بطولة : كاتي تشانغ ، إيما واتسن
إخراج : صوفيا كوبولا (2013)
القصة كالتالي ، مجموعة من المراهقين قاطني لوس آنجلوس يتتبعون
المشاهير ، يعرفون مواعيد غيابهم عن منازلهم ليسرقونها ، القصة حقيقية ، لماذا
لفتت القصة نظر صوفيا كوبولا و لماذا قدمتها في فيلم ؟
في الحقيقة أرى أن صوفيا كوبولا هي الأكثر قدرة على تقديم أفلام تحكي عن أشخاص
عالمنا الحديث ، أولئك البشر الوحيدون ذوي المساحات الفارغة في الروح ، تلك
المساحات المؤلمة التي لا تجد من يملأها أو يداويها ، وهي – صوفيا -
تستطيع خلق خيط رفيع حساس جداً يربطك كمشاهد بمن تحكي عنهم على الشاشة
، قدمت ذلك بمنتهى الرقة والعذوبة في Lost in Translation ثم قدمته بشكل صادم هادئ
ومؤلم في Somewhere
ثم قدمته هنا في الفيلم بشكل سريع ممتع في ظاهره و لكنه مزعج جداً
فيما تقوله هي من وراء الصورة.
صوفيا قدمت هنا عدة أمثلة
عن جيل يعيش في ظل وتحت سيطرة كاملة للرموز التي يركز عليها الإعلام الأمريكي ، بل
إعلام العالم كله ، هؤلاء "الآيدولز" الأيقونات الذين يتحدث عنهم الاعلام ومواقع
التواصل يومياً و يتابعهم بهوس ليجعل لهم مساحة في حياتك أكثر من أصدقائك و عائلتك
، وفي المقابل الشخصيات هنا من ذوي تلك الأرواح الفارغة بالفعل ، مراهقين يفتقدون
الثقة بالنفس ، الدعم النفسي الكافي ، ينشغل ذويهم عنهم مع غياب تام تقريباً للقيم
و للقدوة مما يجعلهم تحت تأثير مباشر لتلك الشخصيات والنجوم التي تملأ عالمهم ، و لسخرية
القدر يصبحون هم نجوم يطلب تواصلهم الشباب بعد فضيحة ما فعلوه ، يقول مارك أحد أبطال
القصة : "على الرغم من سوء ما فعلناه فقد أصبحنا نجوماً ، أمريكا تملك بالفعل
مخيلة مريضة."
من الملفت والمميز أيضاً كان شخصية الأم الوحيدة التي ظهرت تهتم
بأولادها في الفيلم ، أم نيكي ، خلقت لهم تعليماً خاصاً اعتقدت أنه يهتم بالروح
وأهمية الانسان في الحياة ولكنها لم تستطيع هي حمايتهم من كل ما يجري حولهم من
تأثير خارجي ، بل هي نفسها كانت تقدم لهم شخصيات من أولئك المشاهير على أنها أمثلة
جيدة في الحياة ، بل و تنافس ابنتها على الاهتمام الاعلامي ، تنظر لابنتها بفخر
على ما تجده من هذا الاهتمام .
من اللحظات التي تم التركيز عليها أيضاً في الفيلم هي اهتمام الشباب
بردة فعل المشاهير بعدما افتضحت فعلتهم ، ليس فقط الشباب و إنما الاعلام ، عندما
كان يتم التحقيق مع إحدى الفتيات لم يثر حماسها سوى معرفة ليندسي لوهان
بأنها هي التي سرقت منزلها ، و عندما خرجت إحدى الفتيات من السجن كان أكثر اسئلة
المذيع معها عن ليندسي لوهان التي كانت تقضي معها فترة عقوبتها في السجن ، ومن
المثير للضحك أنه عندما تقوم بالبحث عن الفيلم تجد أن كل الاهتمام على إيما واتسون
رغم إنها ليست الشخصية الأولى و لا حتى الثانية الرئيسية في الفيلم ، أغلب الأسئلة
الموجهة لصوفيا كوبولا في لقاءاتها عن الفيلم كانت عن إيما واتسون ،
لأنها بطبيعة الحال الأكثر شعبية في فريق العمل.
و بخصوص إيما واتسون ، فانا أنزعج من تمثيلها و أجدها أبعد ما تكون عن
ممثلة بارعة بل مصطنعة جداً و حققت شهرتها فقط بسبب سلسلة أفلام هاري بوتر ، و
انزعجت أكثر عندما عرفت بوجودها في فريق عمل فيلم لصوفيا كوبولا ، إلا
أنني و أنا أشاهد الفيلم وجدت أن صوفيا أحسنت الاختيار جداً ، بل ربما هذا هو الدور الأنسب لإيما واتسون في
مسيرتها الفنية ، ليس لأنها أدت الدور ببراعة ، و لكن لأنها ببساطة تعبر عن نفسها
وعن عالمها من خلال تلك الشخصية ، الأمر واقعي جداً و لا يحتاج منها أية تمثيل ،
عالم نيكي وشخصيتها وتصنعها في الدفاع عن نفسها هو خير تعبير عن إيما واتسون.
في النهاية صوفيا كوبولا حينما تتكلم عن شخصيات هذا العالم المعاصر ، تلك
الشخصيات الوحيدة ذات الفراغات في الروح فهي تحكي و بخصوصية شديدة عن طريقة تعبير
كل شخصية عن آلامها ، و طريقة التعبير هنا كانت صاخبة مزعجة تمنعك عن التركيز مع نفسك
، و تعبر عن مدى سطحية شخصيات أولئك الشباب و افتقادهم للثقة و الأمان ، و كان ذلك
واضحاً وخصوصاً من خلال الموسيقى الصاخبة التي تغلف الفيلم بالكامل ، ماعدا بعض
لحظات الهدوء التي تحاكي بشدة لحظات الغرق ، حينما كان أولئك الشباب غارقين تماماً
غير مدركين لأنفسهم و ما يفعلونه.
ملحوظة أخيرة ، الفيلم و في بعض اللحظات ذكرني بفيلم The King of Comedy لسكورسيزي و دي نيرو ، على الرغم من الاختلاف الكامل بين الفيلمين و بين
دافع شخصية بابكين التي قدمها دي نيرو الذي كان يريد فقط أن يكون نجما لأنه يملك موهبة تستحق
و دوافع الشخصيات هنا ، إلا أن الفيلمين ينتميان لذلك العالم المزعج والمؤلم لأرواح
معذبة وقعت بالكامل تحت سطوة وسيطرة الاعلام ولم تجد تنفيساً لذلك سوى بطرق متطرفة
جنونية .
Like
0 التعليقات :
إرسال تعليق