كتب : فراس محمد
التقييم : 4.5/5
بطولة : جارديل فيليو ، باولو
أوتران
إخراج : غلاوبر هوشا (1967)
من بين كل الافلام الكلاسيكية التي قدمتها السينما البرازيلية كان غولبير روشا
هو الأكثر حضوراً في ذاكرة هذا البلد سينمائياً و ضمن النوفو سينما , والاكثر
استمرارية , افلامه اخذت منحى أبعد من أن تكون تجارب سينمائية أو أفكار وجدت
طريقها لدور العرض المهمة في المهرجانات الكبرى , روشا لديه خصوصية و بصمة
و أسلوب , و خصوصاً من الناحية البصرية , شاعريته في تقديم صورة بأكبر قدر ممكن من
الرومانسية , من الرمزية , شاعريته حتى في معالجة أكثر المواضيع ابتعاداً عن
الشاعرية , كالسياسة , كالصراع على السلطة , كما في هذا الفلم .
نادراً ما نشاهد فلم يكون التناقض واضحاً بهذا الشكل بين أسلوبه و مضمونه
, عادة تُقدم مواضيع مثل الحب و الحياة و الشعر بشكل أقرب للشاعرية , بينما
الافلام السياسية و أفلام الصراع على السلطة فتتخذ أسلوب عرض و معالجة مختلفة , و لكن
اسلوب روشا في تصوير عملية الصراع على السلطة في بلد كإلدورادو
بهذه الشاعرية كان افضل طريقة لانتقادها و لمهاجمتها و خصوصاً انه قدمها من منظور
شاعر و صحفي لا يرى في السياسة أكثر من أداة و لغاية واحدة و هي أن تخلص فقراء ألدورادو من
فقرهم و معاناتهم , الغاية الأكثر رومانسية للسياسة و الاكثر نبلاً , و الأكثر
تهميشاً و إقصاءً , انعكست شخصية هذا الشاعر الرومانسية و الحالمة و المنخرطة في
وحل السياسة على أسلوب الفلم فكان الفلم السياسي الأكثر شاعرية و رثاء من بين الافلام
السياسية التي شاهدتها و أعتقد ان هذا الأسلوب برز تأثيره وامتداده لأفلام مثل Il
Divo لباولو سورينتينو الذي قدمه عام 2008
, و إن كان بأسلوب أكثر كاريكاتورية .
انتقل هذا الشاعر من ولاءٍ لولاء , من أقصى اليمين لزعيم يرى في نفسه
المسيح المخلص , لأقصى اليسار لزعيم مكبل لا يستطيع تحقيق وعوده التي قطعها
للمصوتين الفقراء و لمن اوصلوه للسلطة , و ما بين رجل اعمال قادر بأمواله على أن
يغذي أي تيار سياسي في البلد و أن يوصله للكرسي , الفلم يناقش فلسفة الحكم , فلسفة
السلطة , و كيف تتحول هذه المصطلحات في قاموس شاعر مثل باولو لأسلحة لا تقل
فتكاً عن اي سلاح تقليدي , باولو انخرط في مجال زادت معها انقسامات شخصيته الحادة , بين
الشعر و السياسة , بين كل النساء و بين سارة التي كانت تمثل له اقصى ما في السياسة من رومانسية , ما
بين نفاق اليمين و نفاق اليسار , و قوة المال في السياسة , منقسم بشدة بين قدرة
الشعب على اختيار حكامه , و بين استحقاقهم لحاكم يسعى من ممارسة السياسة لانتشالهم
من جهلهم و فقرهم , و منقسم بشدة بين ولاءه ولا ولاءه , الرجل الرومانسي الحالم في
السياسة لا يكسب سوى الاعداء , و السياسة لا تستطيع ان ترى في الشعب أكثر من صندوق
انتخابي , و الشعب نفسه ليس اهلاً لحكم نفسه بنفسه , طالما ان الحيلة تنطلي عليه
مع كل انتخابات .
روشا تعامل مع كل هذه
الانقسامات بالتغلغل في شخصية باولو , إبراز أشد ما فيها من انكسار , بصور ذهنية تماماً و رمزية
, كان يصور انعطافاتها و تغيراتها الحادة و خيبة أملها في كل مرة , و خصوصاً مع
اغراق الفلم بمشاهد الكلوز آب على الوجوه بطريقة ذكرتني بأسلوب انغمار بيرغمان في
اكتشاف و رصد تعابير و وجوه شخصياته , و بطريقة زوم إن لا يمكن ابداً
ان تغفل اسلوب انتونيوني في استخدامها بأفلامه , روشا يملك من
الخصوصية ايضاً ما تستطيع ان ترى جمال لقطاته الخاص , افكاره و حلوله الاخراجية
الخاصة , حركة الكاميرا المتوترة او الهادئة , مشاهده العظيمة التي قدمت شخصياته
السياسية بأسلوب رمزي فيه الكثير من الابداع , صورة دياز الزعيم اليميني
وهو يرفع الصليب و العلم الاسود , لقطة تتويجه كملك حينما خسر اليسار , كل ما في
الفلم يبوح بالعظمة والموهبة من الناحية البصرية , موهبة تجعل أفلام روشا الأخرى و
خصوصا فلمه Black God, White Devil ضمن لائحة الاهتمام .
0 التعليقات :
إرسال تعليق