كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 4.5/5
بطولة : هولي هنتر ، هارفي
كيتل
إخراج : جين كامبيون (1993)
"بالنسبة لي أن أكون
مخرجة هو أمر يتعلق بالمراقبة ، ليس أن أقول للناس ما عليهم فعله ، ربما الإخراج
هو مرآة ، لو لم تكن موجودة لم أستطاع الناس وضع مساحيقهم" - جين كامبيون
لبعض
المحظوظين ستكون مشاهدة هذا الفيلم هي مِن أفضل ما يمكن أن يحدث لهم ، نحن لا نسمع
صوت آدا ، لكننا نسمع صوت عقلها ، آدا فقدت صوتها منذ
كانت في السادسة ولا أحد يعرف سبباً لذلك ، آدا رزقت بطفلة جميلة
(فلورا) لكن الأب قد توفى ، تتزوج من (ألسداير) الذي لم تره
مطلقاً بينما هو رأى صورتها المرسلة له حيث يعيش في نيوزيلندا ، تنتقل آدا للعيش معه
لكنه يجدها صغيرة الحجم على عكس ما تخيله ، آدا – التي أتت مع
البيانو في القارب – لا ترضى بأن يُترك البيانو على الشاطيء ، المحليون البدائيون
يستطيعون فقط نقل أغراضها خلال الأحراش إلى منزل ألسداير .
البيانو
هو أكثر من شغف ، البيانو أكثر من كونه مُكمِّلاً لشخص آدا الأخرس الذي لا
يهمه التواصل بالأساس ، البيانو مرادف لوجود آدا ، لذا ترجو جورج – صديق
زوجها – أن يأخذها إلى الشاطيء حيث تتمكن من رؤية البيانو والعزف ، نغرق في اللذة
مع وجه هولي هنتر وهو يتقلب في السعادة واللذة والنشوى ثم الرضا و الإنسجام
بينها و بين المفاتيح و الصوت ، بينها وبين الحياة كما تختارها.
يرى جورج حالة
النشوى لدى آدا ، جورج أميّ وأقرب إلى البدائيين حيث يتكلم لغتهم ويرسم
على وجهه وشماً مثلهم ، يعرض جورج على زوج آدا أن يمنح الأخير قطعة الأرض التي يريدها مقابل أن يحصل جورج
على بيانو آدا ، الزوج يوافق على العرض بينما تثور آدا غضباً ، تبدأ آدا في تعليم جورج
كيفية العزف ، لكن جورج يريد فقط أن يَسمع ، مع الوقت تتطور العلاقة الغريبة بينهما
حيث يقايض جورج آدا بأن يمنحها بعض مفاتيح البيانو مقابل بعض الطلبات التي
يطلبها منها ، في النهاية يمنح جورج آدا البيانو بالكامل لأنه لا يريد أن يُرغمها على فعل ما لا ترغب
، آدا – حبيسة الصمت والكلمات – تخاطبه حسياً بأنها تبادله
الشعور.
يعلم
الزوج بطبيعة العلاقة ، يحاول التقرب من آدا بصورة بدائية فترفضه ، يمنعها من
الخروج ، آدا تحاول أن توصل رسالة لليائس جورج عن طريق إرسال أحد مفاتيح
البيانو إليه ، لكن الطفلة فلورا تذهب إلى زوج أمها و تخبره ، الزوج يشعر بموجة من
الغضب تنتهى بأن يقوم ببتر سبابة آدا ، يُرسل الزوج فلورا إلى جورج بالأصبع المبتور بدلاً من مفتاح البيانو مهدداً
إياه أن يتركها وإلا اكمل عمله ، يحاول الزوج من جديد التقرب من آدا ، لكنها
تنظر إليه نظرة شديدة القسوة كفيلة بجعله يذهب إلى جورج ويطلب منه أن يأخذ آدا ويرحل ،
يفعل جورج ، القارب يتحمل البيانو بالكاد ، تطلب آدا أن يتم
رميه في البحر ، يرفض جورج لكن آدا تُصر ، يتم رميه بالفعل وتضع آدا قدمها وسط الحبل
الذي كان يربط البيانو فيجرها البيانو إلى الأعماق ، آدا تريد أن تستكمل
توحدها مع البيانو حيث أنه ليس من العدل أن تحيا بدونه بينما هو يرقد صامتاً إلى
الأبد ، بعد لحظات من الاستسلام ترفض آدا الموت وتتخلص من الحبل ، يتم تجهيز أصبع معدني ليد آدا حيث
تعمل معلمة للبيانو وتبدأ كذلك في تعلم الكلام.
بتر
إبهام آدا كان عند الزوج بمثابة قص جناحها ، لكنه عند آدا كما يُدرك
الجميع بمثابة قتل روحها ، من وجهة نظر نسوية فبتر الإصبع قد يكون كل تضييق على
حرية المرأة أو كل جريمة يرتكبها المجتمع / الرجل في حقها ، لذا شعرت آدا بالإنكسار
، لكن الخرساء المجنونة كانت أقوى ، رغم أنها يئست لكون حياتها انتهت بانتهاء
قدرتها على العزف لكنها تمكنت من العودة من اليأس والإنكسار ، كامبيون –
مخرجة الفيلم ومؤلفته – في البداية كانت تود أن تُغرق آدا مع البيانو بدافع
رومانسي وواقعي كذلك ، لكن كامبيون – مهووسة جون كيتس – عادت لتؤمن بـآدا وتؤمن بحياة قد تستحق العيش ، فتحيي آدا وتنتصر
للمرأة وتأتي بنهاية شعرية قريبة من الطريقة (التيرينس ماليكية).
آدا
مريضة بالشغف وجورج مريض بالشوق ، بينما الزوج لا شغف ولا شوق ، آدا وجورج عاشا
عذاباً طويلاً ووجدا اللذة في بعض المسكنات ، بينما لا يمكن اعتبار الزوج – الذي
لم يتعذب كثيراً ولم يختبر الشغف أو الشوق – حياً ، جورج يبدو همجياً
بينما يبدو الزوج متحضراً ، لكن كامبيون تريد أن تصفي حسابها مع مسلمات مظاهر الحضارة لذا
اختارت أن تُبحر بعيداً عن تلك الحضارة ، وإن لم تترك لنا الوقت الكافي للتعرف عن
حياة البدائيين والطبيعة حولهم لرغبتها في تكثيف الفيلم حول شخصية آدا.
سيجورني ويفر
كانت اختيار كامبيون الأول لكن – لحسن ظنا – لم تسنح الظروف ، إيزابيل أوبير
كذلك كانت مرشحة للعب الدور وندمت على عدم القتال من أجله ، لكن المفارقة ستحدث
عندما يمنحها القدر بيانو عظيم آخر مع هانكه ، الطفلة آنا – التي لعبت دور فلورا وقامت بأداء مذهل – تم اختيارها من
بين خمسة آلاف طفلة مرشحة للدور ، بينما يمكن تلخيص الأهمية الجمالية المستقلة لموسيقى
مايكل نومان في الفيلم بأنها بمثابة موسيقى نينو روتا في The
Godfather أو موسيقى شاجيرو أوميباياشي في
فيلم وونج كار واي العظيم In the Mood for Love
.
"أعتقد أن الباعث الرومانسي
يوجد لدينا كلنا ، أحياناً نعش به لبعض الوقت ، لكنه ليس جزء من الطريقة العاقلة
للعيش ، هو طريق بطولي وينتهي عامة بصورة خطرة" - جين كامبيون
0 التعليقات :
إرسال تعليق