كتب : فراس محمد
التقييم : 4/5
بطولة : تيلدا سوينتن ، توم هيدلستن
إخراج : جيم جارمش (2013)
اسم شخصيتي جارموش ، آدم وحواء ، لكنها ليست بداية الخليقة ، ربما هنا شهادة على نهايتها
، نور الشمس غائب تماماً ، ليس لأن آدم و حواء هما اساساً مصاصا دماء ، بل لأن الضوء لن يقدم في حياة شخصيتيه
الشيء الجديد ، لن يقدم لهما رؤية افضل ، نظاراتهما السوداء صالحة لليل ايضاً ، وكم
لهما مشاهد ايقونية بهذه النظارات والثياب الفضفاضة مستندين على جدران مدينة طنجة الاثرية أو
في أحد زوايا نادي ليلي في ديترويت .
قصة مصاصي الدماء بدت لي استعارة عن الانتماء لزمن ليس زمانهما ، رغبة
جارموش في تصوير هوس أدم بآلاته الموسيقية الاثرية , وانعزاله في
مكان واحد رافضاً للزمن أن يتسرب للداخل , ليس في الجديد شيء مثير ، الفلم في بعض اجزاءه
بدى رؤية من بعيد لمجرى التطور , لحركة التاريخ ، للإنهيار ، ولولا اعتماد جارموش في بعض
الفترات الاخرى على القصة أكثر من الفكرة لكان الفلم حمل معاني أكثر عمقاً وقوة ، ولكن
في كلا الحالتين ، ما يبرز في هذا الفلم هو قدرة جارموش الكبيرة على زرع
المشاهد أمام الشاشة , وعلى السيطرة عليه بأجواء الفلم الساحرة ما بين شوارع ديترويت
المهجورة وازقة طنجة الاثرية ، حيث دندنات العود تتردد بين الجدران المتلاصقة ،
و في المقاهي اغنية (القلب بيحب مرة) على صوت العود ، اعرب مصاص الدماء عن اعجابه بالمطربة
اللبنانية ، وتمنى لها ألا تنال الشهرة ابداً ، جارموش يعكس ربما عدم
قدرته على فهم الطريقة التي يتم التعامل فيها مع الفنون في هذا الوقت ، النظارات التي
عادة يرتديها في صوره تشبه كثيراً ما ترتديه حواء وآدم ، ربما يتمنى لنفسه إلا يكون
مشهوراً اسوة بالمطربة اللبنانية ، و طنجة مدينة اثرية ، لم تتأثر كثيرا بميزات العصر الجديد ، مكان
مناسب لكي يحيا الخالدون ، و مصاصو الدماء ، وخصوصا ممن عاشوا الفترات التي لا يمكن
ان تعود .
الشيء المثير في الفلم هو خلق هاتين الشخصيتين ، صنع الكاريكتر في مخيلة
جارموش وطريقته في تجسيدهما ، مشاهدهما سوية محيرة من الناحية الزمنية
، هيئتهما تدل على العصور الوسطى واحاديثهما عصرية و متناقضة ، حواء تمتلك موبايل متطور
، آدم يستخدم آلات كهربائية قديمة جداً في التواصل على الطريقة الحديثة
، حديثهما عن التاريخ يشبه حديث ذكريات ، جارموش فعلاً يطرح فكرة مثيرة للإهتمام ، من عاش الفترات السابقة
من التاريخ كيف كان سيجد الفترة الحالية , التي لا تملك خصوصية الفترات السابقة ، هل
سيشعر ان الكون متجه نحو الانهيار مع هذا الكم الكبير من التطور ، في حديث عابر جرى
خلال الفلم , هناك شعور ان الانسان سيعود في المستقبل للبحث عن الحاجات البدائية التي
كان يبحث عنها في الماضي ، وربما قد يفتعل حروباً من أجل الماء ، وهذا وارد ، ولكن
الفلم ابقى على شعلة الفلم الرومانسية مضيئة ، علاقة آدم وحواء علاقة تشبه
التاريخ ، هما رغم حبهما لبعضهما لكنهما لا يستطيعان ان يعيشا معاً للابد ، لذلك كان
في ديترويت ، وكانت في طنجة ، لقاء آدم بحواء مجددا احياء لمفهوم الحب ، الشيء الذي لا
يجب ان يموت في هذا الزمن الذي يموت فيه كل شيء ، ومن بعد آدم وحواء ، نذر الحب و طقوسه
يجب ان تستمر ، وكان الوعد في طنجة ، المدينة التي تجمع الماضي والحاضر دون تعارض ،
دون صدام ، المدينة التي لا تهتم كثيراً إن صعد أحد للقمر ما دامت اغنية القلب بيحب مرة
مازالت تُطرب الحاضرين ، مادامت الجدران قائمة و صفراء وتحبس الماضي .
الفلم قد لا يكون الأهم لجارموش , وقد لا يكون الأفضل في عامه ، لكن وجود رجل بخصوصية و
ميزات جارموش ليقدم فلماً يصنع حالة مختلفة ومميزة ، هذا الامر يجعل اي
مهتم بالسينما يهتم لما يقدمه هذا الرجل بعيداً عن التصنيفات والتقييمات ، الرجل يقدم
لك سينما لن تجدها إلا أمام كاميرته ، هذه السينما تذهب لها وتبحث عنها بدل ان تأتي
إليك من خلال منصات التتويج او الاقلام النقدية المادحة ، أو سواها من لوغاريتمات
.
0 التعليقات :
إرسال تعليق