كتب : مصطفى فلاح
التقييم
: 3.5/5
بطولة
: بريندان غليسن ، كريس أودوود
إخراج
: جون مايكل مكدونا (2014)
بين عام و آخر , أنتظر عودة أحد الأخوين مكدونا
لإبراز منطقة خفية في حيوات قاطني المناطق الإنكليزية / الإيرلندية بأسلوب سردي أحببته
كثيراً في الأفلام الأربعة التي تقاسمها الأخوين مُناصفة منذ قرابة نصف العقد ، موعدنا
هذا المرة مع عمل الأخ الأصغر جون مايكل و هو يُتبع أفتتاحيته الإخراجية المُمتدحة The Guard بنموذج سينمائي عديد الأوجه , نموذج للشاشة
التي يسجل عليها مُلاحظاته حول ما يسكن داخل الناس وسط البيئة التي تُحيط بهم , نموذج
لطريقته الساخرة و تهكمه المُعتاد في تدوين تلك الملاحظات , و أخيراً نموذج للشكل الإستعراضي
المُميز في عرضها .
المكان هو بطل أعمال الأخوين , مكدونا لا يستطيع
مُبارحته بسهولة و أن كان يُريد ذلك ؛ ورغم تواجد عدة زوايا لكسر حدة المسرح , شخصيات
كثيرة مٌقارنة بعزلة شبه الجزيرة و تفرد المكان الواحد (كنيسة , بار , شاطئ) , و حكاية
ذات خيط رفيع لكنه (العمل) يبدو مُغلقاً بين أربعة جدران , مُزدحم , يلغي الخصوصية
, و يكشف الأسرار دون الحاجة الى إزالة الغطاء !
بريندن غليسون يعود للإلتحاق بسينما المُخرجَين , يشكل معهم
الرابط الذي تمتع به (فورد و واين) أو (فيليني و ماستروياني) في إستحواذ الإنتباه الذي يتركه أحدهما على الآخر ,
هذه المرة بدور القسيس الذي دفعه التهديد المُباشر الذي تلقّاه في بدء الفلم الى إعادة
وضعه الإنتمائي خارج أبواب الكنيسة و التجرد من شللية قوانينها قليلاً بُغية العثور
على متوعده بالقتل .
رغم الأجواء غير الودية و الحوارات الجلفية
, "العنصرية جزء من ثقافتي" كما جاء على لسان بطل عمله السابق
, و الجموح الجماعي معروف الأسباب ضد الكنيسة هذه المرة , إلا أن العمل لا يفقد أي
من حسناته الكثيرة على صعيد الكتابة و منحه النظرة الصحيحة للأمور ؛ فـ (مكدونا) , الكاتب
أيضاً , يعرف شخصياته جيداً و يوظف معرفته بشكل حسن على الشاشة حتى يغدو المُشاهد مُدركاً
لمواقعها و خصائصها , لصلاحها و طلاحها ؛ قد تكون طيبة لكنها ليست بساذجة , أو شريرة
رغم أنفها , قد تتخذ منها صديقاً بسرعة أو قد تنفر منها و تتركها لوحدة لا تطاق ! ،
قليلاً ما نشاهد من أفلام تُحسن شرح هذه المُتناقضات الضرورية لإثارة التساؤلات في
رحلة البحث عن الأجوبة ؛ فهذه رحلة القسيس في البحث عن ذاته في الآخرين و رحلة البحث
عن يقين حسن العاقبة في نفوس من لا تؤمن بها , و إن كان هناك درس قاس لبطله الراغب
بالبحث و حقيقة مُرة يُخبئها له القدر منذ الأزل .
الشيء الآخر الجدير بالذكر , أن مكدونا لا يدعي
أكثر مما يُريد أن يُنجز , يأثر بالإستمتاع على إسداء النصائح أو ثريلر معرفة صاحب
التهديد , لا يريد إنشاء مُعضلة ليست موجودة فالقسيس يؤمن بالموت في أي لحظة , و أخيراً
لا يحاول خلق حالة ضيق حدودي كون المكان مغلقاً , بل يستغله (كما لو كان ملعباً كبيراً)
في إستكمال سخطه من مقام ساكنيه و تقديم برهان مُقنع آخر للتحرر منه !
0 التعليقات :
إرسال تعليق