كتب : فراس محمد
التقييم : 5/5
بطولة : كلاوس ماريا براندور ،
كريستينا ياندا
إخراج : إشتيفان سابو (1981)
المسرح انعكاس للواقع , الواقع يحاكي المسرح , هذا ثاني فلم اشاهده
للمخرج الهنغاري استيفان زابو يتناول فيه هذه الفكرة , كما في ان تكون جوليا ,
كان المسرح مكاناً لتصفية الحسابات , هندريك في تحفته ميفيستو كان المسرح هو الشيء الوحيد , والوحيد فقط الذي ينتمي
له هندريك , الرجل الذي يملك طموح الصعود على السلم درجة درجة
للوصول لرأس الهرم , حتى ولو كان على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة , هنا شخصية تصل
لقمة الانحطاط ونكران الذات في سبيل ان تعيش حلمها الخاص .
الشخصية التي قدمها زابو من الصعب وصفها بكلمات غير مهينة رغم انه اعطاها المساحة
الكافية للهرب أو لعدم التورط و الغرق في المستنقع الذي داست فيه , ولم يحرمها من
شفقة المشاهدين باعتبارها شخصية تملك موهبة تجعلها قادرة على التخلي عن كل شيء
لتبقى حية , وتبقى بارزة و هي الموهبة التي تبلورت و تأججت مع أداءه لشخصية ميفيستو والتي
عُرفت فيها بين اوساط النازيين , بين اوساط من تخلى عن نفسه من اجل ان يستطيع ان
يعيش بينهم بأدنى الشروط الانسانية و اعلى المراتب الاجتماعية , هذه كانت معادلة
هذه الشخصية , التي لعبت دور مفيستو بأتقان شديد , وميفيستو هي شخصية الشيطان في الدراما الألمانية الشهيرة (فاوست) والتي
أغرت فاوست لبيع روحه .
شخصية لا تملك سوى القناع , يقول هندريك في بداية الفلم ان مشكلته
الاساسية أنه ممثل محترف , تمكن قبل وصول الحزب النازي من الزواج بابنة رجل مرموق
فبدأ يتسلق الهرم (ارتدى القناع) , و عند وصول الحزب النازي تحول من رجل ذو افكار
ثورية لذيل نازي متخفي مرة اخرى (تحت القناع) اصلاً لأنه رجل لا يملك أي مبادئ , قدرته على
ارتداء القناع همشته تماماً , اصبح هو القناع و القناع هو الشيء الوحيد الذي
يستطيع تقديم نفسه من خلاله , لدرجة لم يعد يعبأ داخلياً بالإحساس بالجدل ما بين
ارتداءه للقناع او خلعه , بجولته في باريس قال بينه و بين نفسه وهو ينظر في كل
مكان , "الحرية .. من أجل ماذا ؟" , وحتى عندما وصفته مدربته
السمراء بأنه رجل غير وسيم يملك عيون باردة لا تعرف عن ماذا تعبر , اعتبرها اشبه بإطراء
, و نظر في المرآة ليتأكد من صحة كلامها .
لم يبخل الفلم ولم يوفر عناء تصوير مقدار الانحطاط الذي وصل له ,
مقدار نكران الذات في دراسته لهذه الشخصية التي تنظر لها وتشعر بمقدار الغرق الذي
تعيشه , ومقدار الدونية التي وصلتها , و قوة الفلم تكمن في ازدواجية مميزة , انك
بنفس الوقت الذي تشعر تجاهه بالدونية و مقدار الاهانة التي استطاع بلعها , إلا انك
لا تستطيع سوى ان تشفق عليه , وان تشعر كم هو ميت داخلياً , عينيه لا تعكس اي
مشاعر , هذا اداء عظيم قدمه هذا الممثل الألماني بأن استطاع تصوير ابجديات هذه
الشخصية المعقدة و المتشربكة , ولم يبخل الفلم ايضاً في اعطاءه الفرص للنجاة
انسانياً من هذا المستنقع , لكن كل فرصة كانت تأتيه سواءً بالاحتجاج او بالهرب كان
يحولها لمقاومة داخلية تعيده لنفس المستنقع "اصبح نازيا أكثر منهم" , و عندما
قام الجنرال بطرده من مكتبه وناداه بـ "الممثل" , كانت
هذه الكلمة في هذا المشهد أشبه بتهمة او شتيمة , أو بالأحرى هي الوصف الأدق لهذا
الشخص , الذي ارتدى من الشخصيات ما جعله ينسى نفسه , هذا الفلم يستدعي شخصية
مازوشية لا تستطيع العيش خارج محيط ضاغط متوتر معيق جالد للنفس , الحرية تؤذيها ,
الوضوح يؤذيها , الشفافية تقتلها , كرجل أدخل نفسه كهف افاعي و ابتلع المفتاح ,
ومع ذلك ما زال مصراً على البحث بين الافاعي عن الكنز , شرارة واحدة من الضوء ,
تقتله , تمحي اسمه تماماً و تحوله عكس ما كان عليه طموحه , هذا الفلم يصور شخصية
بمنتهى الانتهازية .
0 التعليقات :
إرسال تعليق