كتب : فراس محمد
التقييم : 4/5
بطولة : كيارا ماستروياني ، بيدرو
أبرونيوزا
إخراج : مانويل دي أوليفيرا (1999)
قدم المخرج البرتغالي هذا الفلم بعد ان تجاوز الثمانين من العمر ، وهذا
يبدو جلياً على مضمون الفلم الذي يناقش نوعية من التغييرات انتقلت من زمان ذو خصوصية
وقوانين محددة لزمن آخر ذو طبيعة مختلفة , لابد لرجل مخضرم عاش العديد من العقود ولاحظ
ما حملته من تغييرات ان يقدمها بهذا الشكل .
الفلم حمل ثلاث ميزات بالرغم من استعجاله الغير مبرر في الدخول لقصته والتمهيد
لعلاقة الحب المفصلية فيه بين كاثرين والمغني ، لكن دي اوليفييرا كان يحتاج
بشكل اضطراري لطرف ثالث ليكمل قصته ، الميزة الاولى هو مشاهدة أحد اداءات كييرا ماستروياني
وهي ابنه الممثل الايطالي العظيم مارشيللو ماستروياني وملكة الثلج الفرنسية كاترين دونوف ، لقد اخذت
من والدها عينيه ، عمق تعابيرهما , وهل في هذه الحالة من هدية أفضل يقدمها مارتشيللو لابنته
؟ ، بالرغم من أن الفلم لا يعتمد اعتماداً كلياً على اداء ممثليه ولا يبرزها بالشكل
الجلي والواضح لكن كييرا هي احد الاشياء التي يمكن تذكر هذا الفلم بها ، وخصوصا ان
دي اوليفييرا كان يركز على تعابير وجهها الصامتة والمعبرة عن مدى
الحزن والذنب الذي تعاني منه شخصية الفلم التي قدمتها .
الميزة الثانية والاهم , ان الفلم جاوب على سؤالٍ كثيراً ما تطرحه بشكل
ضمني الافلام المقتبسة عن روايات الادب الكلاسيكي الانكليزية (Room with a View – The Age of Innocence – Portrait of a Lady – Sense and Sensibility) ، وهو ما كان ليحصل لو صورت هذه الروايات من منظور عصري و في زمن
آخر ، ما دامت هذه النوعية من العائلات الارستقراطية والمحافظة موجودة في اكثر الازمنة
انفتاحاً و تحرراً ، الفارق ان الافلام المقتبسة عن تلك الروايات تصور التحرر على شكل
حدث طارئ ، بينما في هذا الفلم الذي سافر لفترة متحررة جداً اصبحت العائلات المحافظة
فيه وتمسكها بعاداتها وتقاليدها امر غير منتشر او مفهوم ، الفلم فعلاً (كما أتى في
مقدمة المراجعة) حاول ان يتصور اجابة عن هذا السؤال ، دون ان يفرض على شخصياته خيارات
بعيدة عن اجواءها وافكارها ، وهنا كانت مفارقة الفلم ، ان ذلك المغني هو ابن
زمنه , بينما كاثرين الفتاة المتزوجة التي وقعت في غرامه لم تكن تنتمي للعالم
الذي من المفروض ان تنتمي إليه , والذي اتى منه .
الميزة الثالثة ، التي جاءت لتدعم الميزة الثانية ، في مشهد اراه ابرز
ما في الفلم , فأثناء نقاش دائر بين كاثرين وزوجها عن مستقبل علاقتهما الزوجية , يقتحم رجل فقير المشهد
ويطلب منهما المال ويشرح لهما وضعه السيء , وسوء امكانياته وحال اسرته المتردي , وكأنه
بتأويل آخر يُعيدهما للزمن الذي من المفروض ان يعيشوا فيه (فهما في غربة حقيقية عنه)
، وكأنه يقول لهما ان العالم لم يعد يتمركز حول علاقتكما ، لم يعد حبك لها او حبك له
يعني شيء ضمن كل هذه الفوضى من الحروب والفقر , في عالم كسرت فيه كل الحدود , وماتت
فيه كل الاصول الاجتماعية ، مشاكلكما العاطفية ترف بالنسبة لي , بينما حل كل مشاكلي
لا يساوي اكثر من ورقة نقدية في جيب احدكما .
الفلم يتحدث عن نوع من المشاعر تبدو خارج زمانها تماماً , حتى الدين لم
يعد قادرا على استيعابها (الدين بالمعنى التاريخي الذي لا يتغير بتغير الزمن) , الدين
كان الطرف الاكثر ايجابية في فهم هذه المشاكل ، فكما العادة هو الجانب الذي يستطيع
ان يؤوّل اي شيء لأي شيء ، ويبدو ان رسالة كاثرين الاخيرة كانت بدافع حقيقي في ان تعيش الواقع التي كانت في
غربة عنه .
دي اوليفييرا صارم جداً و بخيل في
تحريك الكاميرا واستخدام التأثير العاطفي للموسيقا ، الرجل لا يستهلك الكثير من ادواته
الاخراجية , يبدو انه يريد من المشاهد ان يكتفي بالتركيز على مضمون الفلم وافكاره اكثر
من فلمية الفلم او الناحية التقنية له ، حتى و لو جاءت ناشفة او جافة , اعتقد ان افلام
هذا الرجل لا تستطيع ان تحمل المتعة لجميع مشاهديه لكنها ستحمل الكثير من الافكار الخارجة من قالبها
الاعتيادي ، ربما نتيجة خبرة مخرجها الحياتية ، وهو الذي تجاوز الآن المئة عام .
0 التعليقات :
إرسال تعليق