الأحد، 21 سبتمبر 2014

La lettre

كتب : فراس محمد

التقييم : 4/5

بطولة : كيارا ماستروياني ، بيدرو أبرونيوزا
إخراج : مانويل دي أوليفيرا (1999)

قدم المخرج البرتغالي هذا الفلم بعد ان تجاوز الثمانين من العمر ، وهذا يبدو جلياً على مضمون الفلم الذي يناقش نوعية من التغييرات انتقلت من زمان ذو خصوصية وقوانين محددة لزمن آخر ذو طبيعة مختلفة , لابد لرجل مخضرم عاش العديد من العقود ولاحظ ما حملته من تغييرات ان يقدمها بهذا الشكل .

الفلم حمل ثلاث ميزات بالرغم من استعجاله الغير مبرر في الدخول لقصته والتمهيد لعلاقة الحب المفصلية فيه بين كاثرين والمغني ، لكن دي اوليفييرا كان يحتاج بشكل اضطراري لطرف ثالث ليكمل قصته ، الميزة الاولى هو مشاهدة أحد اداءات كييرا ماستروياني وهي ابنه الممثل الايطالي العظيم مارشيللو ماستروياني وملكة الثلج الفرنسية كاترين دونوف ، لقد اخذت من والدها عينيه ، عمق تعابيرهما , وهل في هذه الحالة من هدية أفضل يقدمها مارتشيللو لابنته ؟ ، بالرغم من أن الفلم لا يعتمد اعتماداً كلياً على اداء ممثليه ولا يبرزها بالشكل الجلي والواضح لكن كييرا هي احد الاشياء التي يمكن تذكر هذا الفلم بها ، وخصوصا ان دي اوليفييرا كان يركز على تعابير وجهها الصامتة والمعبرة عن مدى الحزن والذنب الذي تعاني منه شخصية الفلم التي قدمتها .

الميزة الثانية والاهم , ان الفلم جاوب على سؤالٍ كثيراً ما تطرحه بشكل ضمني الافلام المقتبسة عن روايات الادب الكلاسيكي الانكليزية (Room with a View The Age of Innocence Portrait of a Lady Sense and Sensibility) ، وهو ما كان ليحصل لو صورت هذه الروايات من منظور عصري و في زمن آخر ، ما دامت هذه النوعية من العائلات الارستقراطية والمحافظة موجودة في اكثر الازمنة انفتاحاً و تحرراً ، الفارق ان الافلام المقتبسة عن تلك الروايات تصور التحرر على شكل حدث طارئ ، بينما في هذا الفلم الذي سافر لفترة متحررة جداً اصبحت العائلات المحافظة فيه وتمسكها بعاداتها وتقاليدها امر غير منتشر او مفهوم ، الفلم فعلاً (كما أتى في مقدمة المراجعة) حاول ان يتصور اجابة عن هذا السؤال ، دون ان يفرض على شخصياته خيارات بعيدة عن اجواءها وافكارها ، وهنا كانت مفارقة الفلم ، ان ذلك المغني هو ابن زمنه , بينما كاثرين الفتاة المتزوجة التي وقعت في غرامه لم تكن تنتمي للعالم الذي من المفروض ان تنتمي إليه , والذي اتى منه .

الميزة الثالثة ، التي جاءت لتدعم الميزة الثانية ، في مشهد اراه ابرز ما في الفلم , فأثناء نقاش دائر بين كاثرين وزوجها عن مستقبل علاقتهما الزوجية , يقتحم رجل فقير المشهد ويطلب منهما المال ويشرح لهما وضعه السيء , وسوء امكانياته وحال اسرته المتردي , وكأنه بتأويل آخر يُعيدهما للزمن الذي من المفروض ان يعيشوا فيه (فهما في غربة حقيقية عنه) ، وكأنه يقول لهما ان العالم لم يعد يتمركز حول علاقتكما ، لم يعد حبك لها او حبك له يعني شيء ضمن كل هذه الفوضى من الحروب والفقر , في عالم كسرت فيه كل الحدود , وماتت فيه كل الاصول الاجتماعية ، مشاكلكما العاطفية ترف بالنسبة لي , بينما حل كل مشاكلي لا يساوي اكثر من ورقة نقدية في جيب احدكما .

الفلم يتحدث عن نوع من المشاعر تبدو خارج زمانها تماماً , حتى الدين لم يعد قادرا على استيعابها (الدين بالمعنى التاريخي الذي لا يتغير بتغير الزمن) , الدين كان الطرف الاكثر ايجابية في فهم هذه المشاكل ، فكما العادة هو الجانب الذي يستطيع ان يؤوّل اي شيء لأي شيء ، ويبدو ان رسالة كاثرين الاخيرة كانت بدافع حقيقي في ان تعيش الواقع التي كانت في غربة عنه .

دي اوليفييرا صارم جداً و بخيل في تحريك الكاميرا واستخدام التأثير العاطفي للموسيقا ، الرجل لا يستهلك الكثير من ادواته الاخراجية , يبدو انه يريد من المشاهد ان يكتفي بالتركيز على مضمون الفلم وافكاره اكثر من فلمية الفلم او الناحية التقنية له ، حتى و لو جاءت ناشفة او جافة , اعتقد ان افلام هذا الرجل لا تستطيع ان تحمل المتعة لجميع مشاهديه  لكنها ستحمل الكثير من الافكار الخارجة من قالبها الاعتيادي ، ربما نتيجة خبرة مخرجها الحياتية ، وهو الذي تجاوز الآن المئة عام .


0 التعليقات :

إرسال تعليق

Flag Counter