كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 4.5/5
بطولة : دلفين سيريج
إخراج : شانتال آكرمان (1975)
"هذا زمان السأم
.." - صلاح عبد الصبور
شخصياً
تذوقي للأفلام قبل أن أشاهد هذا الفيلم أختلف كثيراً عن تذوقي للأفلام بعد أن
شاهدته ، هذا فيلم مُؤسس مُعلِّم ، فقد كانت مشاهدة الفيلم انتقال مهم بالنسبة لي ،
علَّمني أن تفاوت درجات الصبر قد يساوي تفاوت درجات الجمال.
في
العادة أهرب من وصف الأفلام الفنية بالمملة لأن الفن – كما أعتقد – لابد وأن يكون
"ممتع"،
لكن هذا الفيلم "ممل" بدرجة عظيم ، الممل السطحي – كما المتعة
السطحية – زائلة ، لذا فلا تناقض لدي بين المتعة الفنية وبين الفيلم ، لأن المتعة
المقصودة متعة وجدانية لابد وأن تجدها متى صبرت كفاية لتجدها ، ومتى وجدتها ستظل
أبداً تبحث عنها .
جين ديلمان ربة
منزل أرملة أربعينية تعيش مع ابنها الوحيد ، بعد ذهاب الابن إلى المدرسة تستقبل
الرجال ، خلال أكتر من ثلاث ساعات نختبر ثلاث أيام من الروتين اليومي في حياة جين ،
جين تسعى لكي تكون أم جيدة .. امرأة جيدة .. جارة جيدة .. وحتى عاهرة جيدة ، فيلم آكرمان
يدفعك بالروتين اليومي والعمل المنزلي لربة منزل إلى الملل الكافي لجعلك تفكر
وتشعر ، ستبدأ تفكر في حياة المرأة البائسة ثم حياة المرأة بوجه عام ، ربما ينتهي
بك المطاف متأملاً في حياتك نفسها .
مع
مشاهدة كل فيلم عظيم وأسلوب فني مختلف أُصبح راضي أكثر عن العبارة المبتذلة "فيلم يُعيد
اكتشاف السينما"، آكرمان هنا أعادت للسينما واحدة من أقوى وأهم خصائص
السينما الفنية ، أن تلمس حياة ليست حياتك وكلما كان الفيلم أفضل كلما اقتربت من
أن تعيش تلك الحياة ، آكرمان في سعيها لذلك لا تستخدم أسلوب الراوي أو
التأثير الموسيقى ، فهي لا تريد أن تقيد المشاهد بقصة أو تدفعه ناحية شعور معين ،
وإن كانت ستكشف خلفية ضئيلة كافية لعدم الاحساس بالتيه ، أعتقد أن آكرمان
قالت الكثير في الفيلم وإن لم تقله ، كما أن الكثير يحدث تحت سطح شخصيتها وإن لم
نر شيئاً منه !
كاميرا
ثابتة تنقل لنا لقطات متوسطة لكل ما حذفه الآخرون من أفلامهم ، تفاصيل ما تقوم به
جين في المنزل ، كل شيء في حياة جين يتم بصورة روتينية بدون مساحة للارتجال ، تقوم جين
– على سبيل المثال – بتلميع حذاء ابنها ، نحن نقرأ هذه الجملة وربما نقرأها قفزاً ،
لكننا في الفيلم نرى الحدث أكثر من مرة بوقته الكامل ، لذا هو فيلم عن الاحترام ،
الكاميرا الثابتة المتأملة وزاوية الرؤية من الأسفل دفعت النقاد لذكر الياباني
العظيم أوزو
، لكن آكرمان
قالت أنها رأت أعماله لاحقاً ، على أي حال التشابه الأسلوبي حقق نفس النتيجة ،
فنشأت علاقة الاحترام والتقدير بين المُشاهِد والشخصية .
"على أي حال لا أؤمن
بوجود اختلاف ما بين الوثائقي والخيال" - شانتال آكرمان
تدريجياً
نلاحظ شرخ متزايد يحدث في روتين جين ، البطاطس ظلت فترة طويلة على الموقد حتى احترقت ،
تذهب جين
لتحضر بطاطس جديدة مع احساسها بخلل يحدث في حياتها ، كما أنها اعتادت شرب القهوة
في أحد المقاهي ، جين لا تملك الوقت الكافي لكنها تجلس في المقهى وتطلب القهوة ، تترك
ثمن قهوتها على المنضدة وتنصرف بدون شرب القهوة ، عندما تدخل جين مع زبائنها
الرجال إلى غرفة النوم نظل مع الكاميرا خارج الغرفة ، لكن في اليوم الثالث تدخل
الكاميرا إلى داخل الغرفة لترصد حالة استثنائية تكسر روتين جين
غالباً إلى الأبد ، جين ستشعر بهزة الجماع مع أحد الزبائن ويمكننا كذلك استنتاج
أنه أمر لا يتضمنه روتين جين ، بعد بضع دقائق ستقتل جين الرجل بمقص.
التفسير
مفتوح للمشاهد في إيجاد السبب التي جعل جين تقتل ، و ستتركنا آكرمان عدد من الدقائق
ننظر إلى جين
التي تجلس بهدوء ، جين تنتظر شيء لكنها لا تعرف ما الذي تنتظره ، لا نحصل على
إجابة وإن كنا حصلنا على عدد كبير من الأسئلة عن الفيلم وعن المرأة ، حيث أن آكرمان
حققت أحد أهم وأجمل أفلام النساء دون الحاجة إلى الكثير من الضجيج المصاحب لهذا
النوع من الأفلام الثورية ، بل ربما دون الحاجة إلى النوع نفسه .
دلفين سيريج
أضافت لأدوارها مع رينيه و بونويل دور أيقوني أعتقد أنه يستحق أن يصبح الدور الذي
يتذكر به أهل السينما الممثلة الجميلة ، جدير بالذكر أن مخرجة الفيلم وكاتبته –
والتي تُقدِّر بشدة سينما جودار بالمناسبة – أنجزت عملها الأهم في سن الرابعة
والعشرين فقط .
"أريد المشاهد أن
يحصل على خبرة مادية .. أن يشعر بالوقت يمر ، الأفلام في الغالب تُصنع لتمضية
الوقت ، لكني أريد أن يختبر المشاهد الوقت الذي يمر على الشخصية" - شانتال آكرمان
0 التعليقات :
إرسال تعليق