التقييم : 3/5
بطولة : منة شلبي ، ناهد السباعي ،
باسم سمرة
إخراج : يسري نصر الله (2012)
عندما تشاهد فيلماً ليسري نصر الله ، اعلم أنّك مقدم علي تجربة مختلفة ، انت مقدم
علي مشاهدة عمل لمخرج صاحب رؤي مختلفة ومُتمرّدة ، سواء اختلفت معه في اعماله او
لا ، فلا تستطيع الانكار انّك عايشت واقعاً جديداً ، ثورياً الي اقصي حد ، وهذا ما
يمنح فيلمه هذا حضوراً استثنائيّاً ، ففي هذا العمل ، يقدّم رؤية تسجيليّة تختلط
بالروائية بشكل جيّد ، يبدأ العمل بهذه المشاهد المألوفة التي طُبعت في ذاكرة كل
مصري ، عن اقتحام الخيّالة لميدان التحرير وهجومهم علي معتصمي التحرير ، ويُدمج
بها في عمل مونتاجي يستحق التقدير ، مشهد باسم سمرة الذي يقدم دور محمود البيطار كأحد الخيّالة وهو
يُضرب ضرباً مبرحاً وهو يمتلئ بالذهول
!
في مشهد آخر يذهب محمود ليحصل علي طعام لحصانه ويعامله الجميع بازدراء لمشاركته
في اعمال ضد الثورة ، ينال اشفاق الناشطة الثورية ريم - منة شلبي - وترغب في مساعدته ، وتقع في حبّه في علاقة فجائيّة بلا معنى او هدف ،
وربما جاءت في ضرورة رمزيّة في واحد من المشاهد الافتتاحية في العمل حينما يقبّل باسم سمرة منة شلبي
في منطقة مظلمة ترمز الي بداية علاقة الثوريين
- ريم - مع الفئة التي
قامت الثورة من اجلهم - محمود و امثاله .
ساءني في هذا العمل جزئيّات كثيرة خفّفت من اعجابي الفاتر بالعمل بعد
لحظات من بدايته ، الأولى ترتكز حول امتلاء العمل بالكثير من المناقشات الصاخبة ،
جنباً الي جنب مع المشاهد الارتجالية في بعض اجزاء الفيلم ، ممّا اثّر كثيراً علي توازن
العمل وارتباط شخصيّـاته ، فالعمل في الكثير من الاحيان يطرح اسئلة صعبة وتشريحيّة
، معني الثورة ، حلقات الاستبداد الكلاسيكيّة ، كيف تثور لبشر لا تعرفهم ، كيف
تعبّر عن من لا تعرفهم جيداً ، أيّهما يولّد الآخر ، الذل أم الفقر ؟؟!! ولكن
المشكلة هنا ، في أن الأجوبة تصعد بشكل ذكي في بعض الأحيان ، وبشكل ساذج يفتقر
للخبرة في احيان اخرى .
المشكلة الثانية هي أن الشخصية الأعظم ظهوراً في العمل هي اضعف
شخصياته واكثرها توتراً وهي شخصية ريم ، وعلي الرغم من ان منة شلبي قدّمت
اداءاً عالج الكثير من ضعف الشخصية علي الورق الا انّ الضعف امتد على مستوى معالجة
يسري نصر الله لها ، فهذه الشخصية تدعونا الي اكتشاف الثورة
علي مدى ساعتي العمل الا انّي لم استسغ مسألة تحوّلها في نصف العمل الثاني الي مجرّد
بوق يقدم توعية مباشرة لمعنى الثورات لهؤلاء الغلابة الجهلاء الذين كادوا يجهضون
الثورة (عشان اكل العيش) ، و في جزئيّة اخرى ، حتي وان تجاوزت عن
علاقتها بمحمود بمسألة الرمزيّة التي اشير اليها ، وان كنت اعترف انها مسألة لا
يحتملها الفيلم ، فعلاقة ريم نفسها مع زوجها بدت مترهّلة الي حد كبير ، هناك خلل واضح
في شخصيّة ريم علي الورق لم ينجح يسري نصر الله في معالجتها ، و بدت المسكينة منة شلبي حائرة في
الإمساك بالشخصية ، كما انّي شعرت في الكثير من الأحيان بأن ريم ثوريّة
لمُجرّد ملء الفراغ !! .
مشكلة أخرى في أن يسري نصر الله مال الى التفسير في امور فهمناها بالأساس ولم
يفسّر اموراً احتاجت تفسيراً من دواخل الشخصيات بذاتها ، هذا الاسهاب المطلق لنظرة
اصدقاء ريم لأهل النزلة ، زوجها ، الشاب الذي يحضر العلف ، كل هؤلاء كرّروا نفس
النظرة بجمل مباشرة ، نحن فهمنا ان الأمر طبقيّاً يتخفّى وراء ان النزلة مكان
للثورة المضادّة ، في اسهاب آخر ، ترى
حكاية هروب عبد الله من المدرسة تتّخذ منحني اكبر و افتعالياً الي حد كبير ،
يتطوّر بشكل لم اتصالح معه الى المدرّسة التي تدخّن ، وبالطبع لم ترحمها ريم من مشهد
جدلي ممل آخر لم يكن له داعي ، و بالطبع لم استسغ هذا التحوّل الكوميدي في
شخصيّة المدرّسة التي كانت تصرخ وتأمر ، الى شخصيّة هادئة - في نفس المشهد - قائلة
لريم "تعالي بس اقولّك .. دقيقتين بس !!!!!!" ، حتي شخصيّة الحاج عبد الله التي
ظهرت في أوّل العمل ثم تتكدّس مشاهدها في الثلث الأخير من العمل ، في اشارة واضحة
الي ترهّل العمل والخلل في توازنه ، الخطوط النهائيّة للعمل نفسها لم تقنعني ، مسألة عودة ريم لزوجها ،
اعادة محمود السلاح للحاج عبد الله لمجرّد رؤيته لابنه يراقص الحصان ،
لم أكن لأرفض فكرة أن يظل محمود كما هو ، و نرى المستقبل في ابنه عبد الله ،
باعتباره واحد اصلاً من الشخصيّـات الرئيسية ، ربما اكثر ما اعجبني ، هي رمزيّة
نهاية العمل ، محمود بعد اصابته في مذبحة ماسبيرو نحن نجهل مصيره لكن نراه يصعد الهرم ، تتركه
الكاميرا في بداية التسلّق لتتسلّق وحدها النهاية ، وان كان العديد يتمنون ان
يصعده مع عبد الله ، لتكتمل معني الرمزيّة ، ولكن هي جزئيّة اعجبتني ، فما زال
المستقبل السياسي لمصر حائراً متخبطاً .
بعد الموقعة عمل روائي طويل عن
الثورة ، حاول ان ينظر الي معني الثورة نفسه ، لم يهتم بالكثير من التفسيرات ،
اهتم بالنتائج و تحليلها فقط ، حاول ان ينظر الي
الاطراف المرتبطة بالثورة ، لم يستقرّ علي ايقاع معيّن ، سيشعر مُشاهده في النهاية
ان الرحلة شاقة جداَ ، رغم انّها تحمل الكثير من التجديد .
0 التعليقات :
إرسال تعليق