كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 4.5/5
إخراج : فريدريك وايزمان (1967)
"أي شخص لديه عقل يعمل
لا يمكنه الرضا بالطريقة التي يسير بها العالم" - فريدريك وايزمان
الفيلم الوثائقي
الجيد له قدرة على الصدمة أشد فتكاً من أي شيء آخر، لأنك تدرك أنه ينقل ولو جزء من
حقيقة طالما تظاهرنا أنها غير موجودة ، أو كما يقول بازوليني أن الفن
الغير مقبول هو الذي يمكنه مقاومة التضمين في عالم يراه كريهاً .
وايزمان مستخدماً خصائص سينما الحقيقة Cinéma vérité –
المصطلح الذي لا يحبه – يضعنا في مصحة
نفسية للمجرمين ، لا يجعلنا نختبر بل نلاحظ ونراقب كيف يتم معاملة المرضى من قبل
طاقم المصحة بأساليب لاإنسانية مفرطة ، لا نعرف خلفيات المسجونين المرضى أو طبيعة
جرائمهم ، كما لا نعرف إن كان طاقم المستشفى غير مدرب أو غير راغب في معاملة
المرضي بصورة طبية أو إنسانية لائقة .
أعتقد أن الأكثر غلظة
واستدامة في وعي المشاهد كان تجريد المرضى من ملابسهم بالكامل و بصورة مستمرة ، الدوافع
غير مبررة ربما يكون وضع المرضى عراة أكثر راحة لطاقم المستشفى ، هي صورة كريهة لا
يمكن تجنب الخلط بينها وبين صور المعتقلين في معسكرات الإبادة النازية .
أحد المرضى غير راغب /
قادر على تناول الطعام ، يتم إطعامه إجبارياً بطريقة تجبرنا كذلك على تذكر آليات وأدوات
التعذيب في القرون الوسطى التى كانت تسعى لإنتزاع اعتراف من أحد السحرة المزعومين
، مريض آخر مصاب بالبارانويا يصر على إنه سليم وأن المصحة تجعله يجن وأنه يريد
العودة إلى السجن ، ربما هو مريض حقاً لكن لا حيلة لنا سوى أن نتفق معه أن المصحة –
بأسلوبها والقائمين عليها – كفيلة بجعله أسوأ ، الفيلم يضع النظام الإصلاحي محل
شكوك وإعادة نظر .
المصحة نفسها دائرة
منسية من دوائر الجحيم ، المجرمين المرضى معدومي الحيلة يتعرضون للإنتهاك النفسي
والبدني من قِبل عقول تؤمن أنهم يستحقون ما يحدث لهم ، أو في أحسن تقدير تؤمن أنه
لا ضير من عذاب المرضى طالما هم بالأصل مجرمين ، بينما التعاطف الإنساني يكون طيب
القلب حد السذاجة لأن "تلك الطريقة الوحيدة للتعامل مع تلك العينة من البشر" ، تلك
طريقة تفكير نراها دائماً ، وإن كان الضمير الحي والعقل المتحضر عليهما أن يحاولا لفظ
تلك الفكرة من المجتمع .
الفيلم ليس لديه
ترتيبات درامية إنما يعرض تفاصيل يومية ، يحافظ على إيقاع هادئ مسيطر مثير للكآبة ،
الفرنسي كريس ماركر في فيلمه العظيم Sans Soleil يتسائل لمَ يصر المخرجين على تفادي توجيه الممثلين / الناس نظرهم
ناحية الكاميرا ، بينما يمكن عن طريق النظر للكاميرا ما لا يمكن لغيره ، وهذا ما استنبطه
العظيم أوزو وطبّقه ، فيلم وايزمان دليل هام على مقولة الفرنسي باقترابه الشديد من وجوه
المرضى ومحاولة التقاط نظراتهم ، خاصة عندما ينظر المريض "جيم"
للكاميرا بعد أن استفزه بشدة أحد الممرضين .
عنوان الفيلم مأخوذ
من برنامج مروع للمواهب يُقام في المصحة ، يشترك به طاقم المستشفى مع المرضى حيث
لا نعرف حقاً من المجنون ، أو بالأحرى لا نعرف إن كان هناك عاقل واحد بينهم .
وايزمان ترك العمل كمحامي ومدرس
للقانون وقرر أن يصبح مدعي عام لدى الشعب دون أن يخضع لسلطات حكومية ، لكن فقط لذائقته
الفنية ، فكان فيلمنا الطافح باليأس أول فيلم يخرجه الناشط الوثائقي ، وايزمان كرر
التجربة مع عدد من الهيئات الحكومية الأخرى .
مُنع الفيلم لسنوات
طويلة بدافع الحفاظ على خصوصية المرضى ، على الرغم أن وايزمان حصل على
موافقة المستشفى و أوصياء المرضى ، فكان أول فيلم أمريكي يتم منعه لسبب بعيد عن
الإباحية وتهديد الأمن القومي ، بينما أعتبر البعض أن السبب الحقيقي كان دفن
الرؤوس في الرمال وتفادي إحراج المؤسسة الإصلاحية حيث أن الفيلم صادم وكاشف ، بعد ربع
قرن من إنتاج الفيلم صدر حكم المحكمة العليا بالسماح بعرض الفيلم بدافع أن المرضى
أغلبهم قد توفى ، بالتالي حماية الخصوصية أصبحت أقل أهمية من صيانة حرية التعبير
كما ورد في التعديل الأول من الدستور الأمريكي .
"أتمني أن تكون
الأفلام الوثائقية مصدر حيرة للمؤرخين في القرن الجديد لأنهم بالإضافة للمواد
المطبوعة سيكون لديهم كل تلك الصور لرؤيتها" - فريدريك وايزمان
0 التعليقات :
إرسال تعليق