كتب : محمد السجيني
التقييم : 5/5
بطولة : إيرين جاكوب ، جان لوي ترانتينيان
إخراج : كشيشتوف كيشلوفسكي (1994)
الجُزء الثالث والأخير من الثلاثيّة (أحمر) هو فيلم عن الاخاء ، هذه
القيمة التي اختفت من مُجتمعاتنا ، يحاول كيشلوفسكي ان يُقدّمها من خلال شخصيّات تتهدّم علاقاتها
وتتقاطع في مجموعة من الصدف الغريبة ، فتاة تدعى فالنتين ، في أحد
الأيام و أثناء قيادتها لسيارتهَا تصطدم بكلب بالخطَأ ، يُصاب ببعض الجرُوح ،
تتفقد الكلب لتجد عنوان صاحبه ، و أثناء وصولها لمنزل صاحب الكلب تجد أنه كبير
بالسن و يبدو عليه الحزن و اليأس الواضح ، و حين تخبره بما حدث يُخبرها بأنه لا
يهتم .
تُقرر الذهاب بذلك الحيوان إلى الطبيب البيطري ليقدم له المساعدة
اللازمة ، بعد فترة يهرب ذلك الكلب و يعود إلى منزل صاحبه (الذي أرسل مبلغ المال
الذي دفعته فالنتين من أجل الطبيب بالبريد رغم حس البرود الذي أبداه لها
في اللقاء الأول بينهما) و هناك تكتشف فالنتين أن هذا الرجل يجلس طوال الوقت في منزله و يتنصت على مكالمات
جيرانه ، تهدد فالنتين صاحب المنزل بأنها ستبلغ عنه إذا لم يتوقف عمّا يفعله
، إلا أن هذا الرجل يقوم بتشغيل جهاز التصنت على أحد جيرانه (الذي يبدو فيه في مكالمة
عاطفية من خلف زوجته) و يشير بيديه إلى منزل من يتنصت عليهم و يقول لها هيا أذهبي
و أخبريهم بالحقيقة ! ، و لكنها بعد ذهابها إلى المنزل من أجل إخبار أصحابه عن ذلك
التصنت تنظر إلى بنت صاحب المنزل الصغيرة و زوجته و تقرر عدم إخبارهم ، لماذا لم
تخبرهم ؟ ، صاحب هذا المنزل المتصنت كان يعمل قاضيا ً و يبدو أن هذا العمل كان
عِبئاً عليه في الماضي نتيجة لبعض الأحكام التي أصدرها ، فمُهمّة القضاة مهمة صعبة
لأنها تُحدد مستقبل أشخاص آخرين و أي حكم خاطئ سيسهم بتوجيه مستقبل المتهمين إمّا بشكل
إيجابي أو سلبي ، "هل سأجد في المحكمة قضاه مثلك ؟" –
"انت لن تذهبي الى المحكمة لأن المحكمة لا تعرف البراءة! "، فيقوم احد الجيران بإلقاء حجر الى نافذته ويكسرها ، فيقول لها "لو كنت مكانهم لفعلت
نفس الشيء" ، الشُعُور بالذنب هو من يجعلنا نسير بطريق الصحيح لو كنت
مكانهم لسرقت ، لقتلت ، لفعلت أي شيء مما يفعلونه وهذا ينطبق على كل من حكمت عليهم
؟! ، فلمَ سأعيش وانا اشعر بأنني ظلمت الذين حاكمتهم ؟ ، مع الوَقت تستطيع فالنتين ان
تنتشل القاضي من عُزلته ، ولا نحتاج ان نتأكّد من ان القاضي و الفتى (اوجست) كل
منهما صورة للآخر مع اختلاف الزمَن ، كلاهما درس القانون ، كلاهما تعرّض للخيانة ,
وكلاهما تجاوز اختبار التخرُّج بحيلة ما قدريَّة .
العمل عظيم جداً في بنائه للصداقة بين بطليه ، في ربط ماضي الشخصيات بحاضرها
وبحياة المُحيطين ، سير القدر والامور العبثيّة ، الطرق علي وَتَر المُعاناة
والتغيُّر والتناقض في نهاية العمل الصادِمَة ، نجد لقاءً بين من نجوا من غرق
الباخرة ، جولي وصديقها من الازرق ، فالنتين وأوجست من الاحمر ، دومنيك وكارول في الابيض ، ليسطر بذلك نهايةً كانت بمثابة الرواية التي تقطع
انفاسك وانت تشاهد اجزاءها الثلاثة وتعود اليك الروح فور انقاذ تلك الشخصيات ،
معزوفة النهاية هي واحدة من أكثر المشاهد التي أعدتها في مشاهداتي , وتظل بالنسبة
لي عاصفة محببة , في ظل عدم القدرة أو عدم الاقتناع بالتغيير , والمُضي بين التسيير
والتخيير ختاماً لآخر مُراجعاتي عن كيشلوفسكي ، عُرض الفيلم في مهرجان كان في مايو 1994 ، وصفّق له الحاضرون لخمس دقائق كاملة ، وأخبرهم الرجُل بعدها انه
قال كُل ما يريده ، سيعتزل السينما ويمكث في ريف بولندا ، يقرأ الكتاب
المُقدَّس ويُدخّن السجائر في هدُوء ، وبعدها بعامين رحل كيشلوفسكي تاركاً لنا
تراثاً سينمائيّا عظيماً باقياً في جوف الزمَن ، شُكراً كيشلوفسكي علي كُل ما
قدّمت .
0 التعليقات :
إرسال تعليق