كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 4.5/5
اخراج : أوكتافيو جيتينو ، فيرناندو سولاناس (1968)
"الاسم : ضحية ، اللقب
: مُهان ، الحالة : ثائر"
الأفلام التحررية
غالباً تُنتج من بلدان قد تحررت بالفعل ، في "ساعة الأفران"
نجح أوكتافيو جيتينو و فيرناندو سولاناس في إنتاج مانيفستو تحرري في بلد لم يكن قد تحرر بعد ، فكان
صنع الفيلم الوثائقي – ومشاهدته حتى – جريمة في بلد نظامه ديكتاتوري ، لكن تلك
الجريمة أصبحت مُسكِّن ومُحفِّز لأي ضمير حي ، بالنسبة لي هو أقرب لمقال ضخم تم مضاعفة
قوته الأسلوبية عندما تحول إلى صورة ، درس في محاولة إعادة تأريخ للماضي – حيث
"أننا تعلمنا تاريخاً مغلوطاً" – ومحاولة إيجاد طريق المستقبل.
"عملية تحرير كل بلد
دائماً ما تكون حدث فريد .. اختراع"
لا يوجد شيء لم
يستخدمه الأثنان في صنع ملحمتهما الغير قابلة للتكرار ، تفاصيل أمريكا الجنوبية
قبل وبعد الثورات والإنقلابات ، الأرجنتين قبل وبعد "بيرون" ، مظاهر البلد
الحضارية و"اللاحضارية" ، الموسيقى الكلاسيكية والعصرية والمحلية ، صور شديدة
القرب لوجوه انهكها الجوع والمرض ، رسوم توضيحية لأحداث تاريخية ، لقطات أرشيفية
ونشرات أخبار ومقابلات تليفزيونية ، بالإضافة إلى زخرفة الفيلم بالأشعار وبمقولات
زعماء الحركات التحررية في العصور المختلفة .
"من يختار موته يختار
بذلك حياته"
بعد بحث مضني عما
يصلح للمادة الفيلمية ، ثم تنقية ما تم جمعه – وهو كثير – كان لدى الأرجنتينيين
الحس الفني لتوظيف ما تبقى وتحرير "النوتة" التي جعلت من الفيلم أيقونة هامة في تاريخ السينما
الثورية والوثائقية ، فالكل يعرف النغمات لكن البعض يستطيع العزف ، المهم أن مقدار
جمال الفيلم يتجاوز مدى الاتفاق والاختلاف السياسي ، مقدار الجمال يجعل الفيلم حتمي
المشاهدة لكل شغوف بالسينما ، مانحاً محبي النظريات البنيوية والتفكيكية متعة
ذهنية لا تضاهى .
"القدر .. المصير ..
الخلود ، مصطلحات تم استخدامها لتبدو مسؤولة عن حالة سببها الطبقات الحاكمة"
الفيلم تم تقسيمه إلى
ثلاثة أجزاء ، الجزء الأول : "الاستعمار الجديد والعنف" يناقش حال الأرجنتين وأمريكا
الجنوبية بصورة عامة بعد التحرر من الاستعمار الخارجي والوقوع في قبضة الاستعمار
الجديد بشقيه ، الاقتصادي الخارجي والاستبدادي الداخلي ، الجزء الثاني : "فعل تحرري"
مستعرضاً الأرجنتين خلال المرحلة "البيرونية" وما بعدها ، ظل هذا الجزء محل جدل واعتبره
البعض نقطة ضعف للاختلاف حول شخص "بيرون" وسياسته ، بينما الجزء الثالث : "العنف والتحرير"
يبحث عن الطريق إلى مستقبل حر لابد من أن يكون العنف أحد مراحل مخاضه .
"لا يمكن أن تحدث ثورة
وطنية بدون ثورة اجتماعية مصاحبة"
المثقفان الغاضبان لا
يعتقدا أن الأفكار "الفضفاضة" الواردة في الفيلم تقدم حلاً ، ولكن يمكن
اعتبارها بمثابة أفكار قد تكون مفيدة للبلدان التي لم تنل حريتها بعد ، والحرية –
كما يراها الرجلان – هي حرية من الاستعمار الخارجي والداخلي ، استعمار يلجأ لكافة
أساليب السيطرة العسكرية واللاعسكرية كالقروض ووسائل الإعلام وتخريب الضمير الوطني
.
"الأطفال تموت بسبب
سوء التغذية كل سنة بمعدل أكبر من ضحايا هيروشيما وناجازاكي"
بعد لقاءه بالمخرجين
خرج "جودار" بتصريح يُفرِّق بين الأفلام ، حيث يقول أن أثناء مشاهدة
الأفلام الإستعمارية تكون الشاشة مجسدة لصوت الزعيم المغري القامع ، أثناء مشاهدة الأفلام
المُحرَّفة تكون الشاشة صوت عالي مُفوَّض من قِبل الناس لكنه لم يعد صوتهم حيث يظلون
في الظلام ، بينما أثناء مشاهدة أفلام المناضلين تصبح الشاشة سبورة أو حائط مدرسة
يوفر تحليل صلب لموقف صلب .
مقولة "جودار"
هي ما طبقه جيتينو وسولاناس في فيلمهما بأن تركا "فعلياً" مساحة من وقت
الفيلم حتى يناقش المتفرجين الأفكار ، أفكار المتفرجين الشخصية مع أفكار لا نهائية
تم عرضها في الفيلم بالإضافة إلى أفكار بالتأكيد تم استلهامها منه ، فيتأثروا
ويؤثروا في العالم حولهم ، الفيلم أعجب وألهم كذلك الفرنسي العظيم "كريس ماركر".
"رجل يبعث من الموت ،
فيحب الحياة للدرجة التي قد يجازف بحياته كي يحيا تلك الحياة" - جيفارا
0 التعليقات :
إرسال تعليق