كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 4.5/5
اخراج : كازو هارا (1987)
"الفيلم الوثائقي عليه
اكتشاف الأشياء التي لا يريد الناس كشفها، أن يخرجها من الخزانة، حتى يدرس لمَ
يرغب الناس في إخفاء مثل تلك الأمور" - كازو هارا
لا يمكنك ألا تقع
أسيراً لشخصية كينزو أوكوزاكي ، قد تحبه وقد تكرهه ، قد تراه مجنوناً خطراً
أو نبيلاً في عالم مجنون ، لكنك طوال مدة عرض الفيلم لا يمكنك تجاهل أوكوزاكي على
حساب أي من عناصر الفيلم الأخرى.
الفيلم الوثائقي –
الذي تم صنعه في خمس سنوات – يبحث عن حل لغز عمره أكثر من أربعين عاماً ، لغز مقتل
اثنين من الجنود اليابانيين تم إعدامهما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة خلال
حصار قوات الحلفاء للقوات اليابانية المهزومة ، أوكوزاكي محارب سابق
في الجيش الياباني وأصبح بعد الحرب ناشط سياسي متطرف ، سبق له أن قضى ثلاثة عشر
عاماً في السجن لقتله سمساراً وقذفه كرات رصاص بالمقلاع على الإمبراطور – الحادثة
التي يفخر بها كثيراً – بالإضافة إلى نشر رسوم إباحية لإمبراطور كان يعبده البعض.
أوكوزاكي يعتقد أن الإمبراطور
هو أجبن رجل في اليابان لإنه لم يتحمل مسئوليته ويعترف بأخطائه في الحرب ، أوكوزاكي يكره
من لا يتحملون المسئولية بينما هو يعترف بذنبه (قتل السمسار) وتحمل أثره فلم يحاول
الهرب ، لذا – وحتى بعد أن قضي عقوبته – لازال يركب سيارته المغطاة بالشعارات ضد
الإمبراطور في نفس يوم عيد ميلاد الإمبراطور ، يخطب داخل السيارة في الناس بمكبر
الصوت ، تحاول الشرطة إيقافه لكنه لا يكترث.
أوكوزاكي يتقمص دور المحقق وتتبعه
كاميرا هارا المحمولة أينما ذهب ، يذهب إلى جنود وضباط سابقين ليتقصى
معلومات قد تساعد على حل لغز مقتل الجنديين بينما لديه فكرة ضبابية عما يظن أنه
حدث ، يرفض أحدهم تزويده بالمعلومات ، يقوم أوكوزاكي بضرب الرجل
المريض الطاعن في السن ويخبر المصور/المخرج بأن يقوم فقط بالتصوير ولا يهتم ، أوكوزاكي يريد
معرفة الحقيقة بغض النظر عن الطريقة المستخدمة ، فهو يظن أن الأجيال الجديدة متى
عرفت الحقيقة ستتصدى لأي حرب جديدة حيث أن التلفاز والسينما جعلوا من الحرب بطولة
بينما هي مأساة خالصة ، عقيدة أوكوزاكي تقضي بأن العنف أقرب إلى العدل متى تم استخدامه لكشف
حقيقة.
سنعرف أن قتل
الجنديين له علاقة بالحصار المفروض على القوات اليابانية ، حيث تم قطع إمداد
القوات من الغذاء ، فقام اليابانيين بأكل جنودهم ، لم يتمكنوا من أكل المحليين
"الخنازير السمراء" حيث أنهم أسرع من أن يتم اصطيادهم ،
بينما جنود الحلفاء "الخنازير البيضاء" أكلهم محرم بأوامر من القيادة.
سنعرف كذلك أن السبب
الرسمي لإعدام الجنديين كان الهروب من ميدان الحرب وإن كانت قد انتهت ، بينما
السبب الخفي كان حاجة القوات إلى الطعام ، وكان الأقل رتبة في مناخ طبقي مثل الجيش
هو الاختيار الأول في لائحة الطعام ، من جوانب تفرد الفيلم كان كشفه جرائم الحرب
داخل الجيش الواحد ، وليس لجيش في حق آخر أو في حق مدنيين ، أوكوزاكي
سيحاول قتل أحد القيادات المسئولة عن قتل الجنديين لكنه لن ينجح وسيقوم بإصابة ابن
الرجل ، سيحكم عليه بأن يقضي إثنى عشر عاماً في السجن للشروع في القتل.
ربما تكون القراءة
صادمة ، ومشاهدة الفيلم بالتأكيد صادمة أكثر ، فالفيلم مروع لكن الحقيقة – كما
نعرف – دائماً أشد قسوة ، الفيلم لم يعرض صور أرشيفية أو رسوم تخيلية لكن ترك
المساحة كاملة لمخيلة المشاهد حتى تنهش في إدراكه وما دون إدراكه ، وهذا في إعتقادي
من مصادر قوة الفيلم حيث أن عبارة "لا يمكن تصور مثل هذا" غير دقيقة ، فأي شيء يمكن تصوره
متى توافرت الرغبة والمعلومة ، وإن كان تصوّر الحقيقة بالغ الصعوبة ، ليس بدافع
العجز ، لكن لسابق المعرفة أنها لا تُحتمل.
"للكثيرين منكم هذه
البلد تعني الكثير ، لكني – بناء على خبرتي – أرى الدولة جداراً يفصل بين البشر ،
جدار كبير يمنعنا من المضي سوياً ، يعزل الإنسان عن الإنسان ، بكلمات أخرى هي ضد
القانون الإلهي ، لذا أنوي أن استمر في مهاجمته" - كينزو أوكوزاكي
0 التعليقات :
إرسال تعليق