التقييم : 4/5
بطولة : إيزابيل أوبير ، ايف
بينيتون
إخراج : كلود غوريتا (1977)
قلة الخبرة , الخجل , والخوف من التجربة كانت اساس الشخصية الرئيسية
في هذا الفلم للدرجة التي وفرت على مخرجه تقديم مشاهد مواجهة تعري فيها هذه المشاكل
وتكشفها بشكل مباشر ووقح , و ايزابيل أوبير قدمت
الأداء الذي يوفر على مشاهدي الفلم السؤال عن تلك المكاشفات والمواجهات التي كانت
ضرورية لو لم تكن أوبير بالأساس على درجة عالية من الاستيعاب لهذه الشخصية الهشة
, ولو لم يكن مخرج الفلم كلود غوريتا على درجة عالية من الثقة بهذا الأداء الذي نقل الفلم من
مرحلة الاستفهام لمرحلة الملاحظة والقراءة لهذه الشخصية ولطبيعتها بتصوير الحياة
من خلال سلاستها , ومن خلال تكريس هذه الميزة كانت تنسل تعقيدات هذه الشخصية
وضعفها .
مبدأياً من المثير جدا مشاهدة هذا الأداء لأيزابيل أوبير , ومن
المهم ايضاً مشاهدته لها بعدما شاهدت أداءاتها في أفلام مثل Loulou و The Piano Teacherو White Material , في
هذه الافلام قدمت أوبير شخصيات تتحلى بالقوة التي انعكست على ملامحها , شخصيات
تعرف ماذا تريد وكيف يجب ان تحصل عليه , لديها الرغبة بالتحدي , على عكس هذا الفلم
تماماً , الشخصية هنا تعيش مع بداية الفلم حالة صراع بين الطفولة والبلوغ مع
وصولها الثامنة عشرة , ما الذي يتوجب عليها التخلي عنه لتصل مرحلة البلوغ , وما
الذي عليها ان تكتسبه في هذه المرحلة (تحضرني هنا شخصية ايديل في فلم كشيش الاخير
إلا أنها كانت أكثر حضوراً وأكثر جرأة في اكتشاف نفسها من شخصية هذا الفلم) , هنا شخصية لا ترغب في مواجهة العالم وخوض
التجربة , لكن العالم هو من يقتحم حياتها , فتاة لا تعرف ماذا تريد ولا كيف يجب ان
تكون , وبتلك السلاسة التي صور بها الفلم سير حياتها يقتحم شاب اطار الشخصية ,
يزعزعها , يواجهها مع حقيقة ومتطلبات الحياة الاجتماعية التي كانت رعونتها
الطفولية قد منعتها من الاحساس بأهميتها , وقد وضع الفلم بلمحات ذكية مدى الحاجة
لأن تتغير , كل شيء يتحول لعائق في حياتها , ابتداءً من عبور الشارع انتهاءً
بنقاشات زوجها مع اصدقاءه الذين لم تستطع مجاراتهم ثقافياً وفكرياً ، مروراً بتصوير
مدى ضياعها بعيدا عن مطبخ البيت .
الفلم ينتقل بشكل رشيق من التمهيد لهذه الشخصية لمرحلة تسليط الضوء
على الفارق الثقافي التي برز اثر علاقتها مع فرانسوا , براءة بياتريس (أوبير) كانت
حجر العثرة أمام انفتاحها , وقلة خبرتها بالحياة قتل طموحها , وهذا كان بالنسبة
لفرانسوا سبباً للنفور منها , علاقته بها بدأت تتحول أمام الكاميرا من علاقة حب
لعلاقة ابوة , ورغم ان الشخصية التي قدمتها أوبير لا يمكن إلقاء
اللوم عليها , لا يمكن اعتبارها سوى ضحية مجتمع اوروبي متطلب إلا ان شعور الذنب
تجاهها كان المسيطر خلال الربع الاخير من الفلم , فهذه الشخصية هي من تلك الشخصيات
البلورية التي تخدش وتكسر بسهولة , هي التي تمثل القليل النادر من النقاء , هي من
النوع الذي يجب الصبر عليه واستيعابه بدل مواجهته بضعفه وعجزه ، من النوع الذي يجب
ان تتكفل عناء النظر إليها من الداخل , وإلا فأنها لن تتوانى عن القيام بادعاء
التغير , كما صور الفلم في ختامه ، رغم انها داخلياً عاجزة عن ذلك .
المثير للمفارقة ان شخصية بياتريس , ورغم انها ضمن مجتمع اوروبي حاول الفلم قدر الامكان
ان يصورها وكأنها لا تنتمي له قدر انتماءها لطفولتها , ورغم ان الفلم صورها وكأنها
شخصية غير مرغوبة من قبل الرجال في هذا المجتمع , إلا انها بالنسبة لي بدت اقرب
للفتاة الشرقية بالشكل العام , فتاة اختصرت طموحها بإرضاء زوجها او حبيبها ,
اختصرت مستقبلها بما تجنيه من عملها الروتيني , اختصرت ثقافتها بما تستطيع تعلمه
من زوجها , ولا استغرب ان يكون الرجل في المجتمعات الشرقية يتمناها بهذه الطريقة ,
هذا الفلم من الممكن ان يشاهده الشرقيون بعين مختلفة عما يشاهده الغربيون , قد
يتعاطف معها الشرقي بشكل مختلف عما يتعاطف معها الغربي , قد يرى فيها الشرقي فرصة
لحياة مستقرة يكون فيها الرجل كل شيء بينما قد يرى بها الغربي معضلة الفارق
بالثقافة والاهتمامات والحياة الجامدة ,
الفلم يستطيع ان يطرح الكثير من وجهات النظر تجاه فتاة احادية سطحية ضعيفة ميتة
الطموح كبياتريس , ورغم ان الفلم (ربما) لم يقصد ان يمنح فلمه هذه
الكيفية من القراءة , لكن لا يمكن انكار انها من الممكن ان تكون واردة .
بالنهاية , ايزابيل هوبير ممثلة تملك في سيرتها السينمائية العديد من المفاجآت ,
لم أكن اتوقع ان ارى صاحبة الملامح الجافة ونظرة العينين المحيرة والحضور المسيطر
بهذه الهشاشة وهذا الضعف وهذا الحضور الجسدي الذائب والمتواري (وربما كان ذلك سبباً
اضافياً لتعاطفي معها) بعض اللقطات كان من اللازم تكرارها أكثر من المرة للتأكد ,
هل هذه أوبير , ترددها الغير مصطنع وملامحها الطفولية التي لم تتعارض
مع شكلها الانثوي الناضج ملأ الشخصية بالاسئلة والاجوبة والمشاعر والافكار , هذا
الأداء قد يمر مرور الكرام لمن لم يشاهد سواه لهذه الممثلة , لكن عدا ذلك فأن كل
حركة وكل نظرة منها ستكون ملفتة للنظر (في أحد المشاهد تبدو حركة يديها المترددة
بالتقاط اللوحة من يدي فرانسوا كافية لتعري
الشخصية تماماً وكشف ضعفها) , ومن الجيد أن قامت البافتا بالإلتفات
لهذا الأداء ولهذه الممثلة باكرا بتقديم جائزة أفضل أداء واعد عام 1977 قبل ان تتكفل أوبير بانتزاع الجوائز من كل حدب وصوب منها اثنتين من كان ومثلهما
من فينيسيا .
0 التعليقات :
إرسال تعليق