كتب : فراس محمد
التقييم : 4/5
بطولة : بيرنس بيجو ، طاهر رحيم ،
علي مصطفى
إخراج : أصغر فرهادي (2013)
يستطيع فرهادي بسلاسة ان يتعامل مع شبكة العلاقات التي تشبه شبكة العنكبوت
, قيمة الاثارة التي يستطيع منحها للفلم تأتي بأنه ينتقل كالعادة من الحدث الاصغر نحو
الصورة الكبيرة , وكأنه يصور اصغر عقدة من شبكته قبل ان يعود بالكاميرا للخلف لتظهر
بقية العقد وتشابكها , ولكن هنا كان في ذلك مخاطرة أكبر , مخاطرة في عدم استيعاب وفهم
شخصياته , فلمدة ساعة من عمر الفلم لم أكن قادراً على التواصل واستيعاب شخصية أحمد , او سبب
مطالبة ماري بالطلاق , وبدت شخصية سمير دون ارضية , ولكن قدرة فرهادي على البناء خطوة بخطوة لشخصياته
تسايراً مع ظهور وبروز عقد الفلم بدأت الشخصيات تأخذ موقعها ضمن هذه البازل العائلي
.
أحب ان ارى الفلم كالتالي , في فلمه A Separation المرتبط بشدة بطبيعة المجتمع الايراني كان الانفصال هو حجر الأساس , هو
الذي تدور حوله كل الافكار , لكن في فلمه هذا يبدو ان الارتباط المشروط بالظروف التي
وضعها فرهادي بشكل تفصيلي في الفلم هو الشيء المؤرق , دوما يسأل فرهادي
سؤاله الاخلاقي , هل هذا صحيح أم خاطئ , ورغم ان اسم الفلم يدل على الاحداث الماضية
, ومن المشهد الافتتاحي تظهر كلمة (ماضي) وتحاول مساحات النافذة الامامية للسيارة ان تمحيها , إلا
ان فرهادي يتحدث عن أثر الماضي المتبقي , (الاثر الذي تركته المساحات
في الافتتاحية).
حنكة فرهادي مكنته من تصوير صراع هذه الشخصيات مع ماضيها , وانها ما
زالت تعيش فيه دون ان يكون الماضي ذات نفسه موضوع للنقاش او العودة , هم ينظرون لبعضهم
فيروا وجوه في الذاكرة واحداث في الذاكرة , طريقتهم في تجنب الحديث عن الماضي , وتجنبهم
لفتحه وتجنبهم لبعضهم اعطى احساس بثقله , وان ما يحدث على الشاشة كل خيوطه ما زالت
مشدودة , الانتقام في هذا الفلم تُطهر رغبة في عودة الماضي , او عدم رغبة في مشاهدة
مستقبل لا يكون ذاك الماضي اساسه , المشكلة كانت في إمكانية المضي قدماً , المستقبل
بهذا الشكل سيُبنى على كذبة , يكذبون على انفسهم , وهذا اساس غير صالح للاستمرار ,
وهم يعرفون ذلك .
أكثر ما اعجبني في الفلم أن فرهادي لم يرغب مطلقا في تصوير اي شكل من اشكال صراع الثقافات او
تعارضها , منذ البداية شعرت ان فرهادي لابد انه سيتعامل مع شخصية احمد كشخصية ايرانية تقليدية
في مجتمع مختلف , للدرجة التي جعلتني استغرب ردود فعله على ما يحدث في المنزل (و أي
تعامل مع شخصية أحمد على انها تقليدية هي مشكلة المُشاهد وليست مشكلة الفلم) ,
علاقته مع لوسي , وخصوصا علاقته مع ماري , لكن الفلم يعطيك
انطباع لا يمكن تجاهله , ان أحمد رجل يستوعب تماماً العقلية التي يوجد فيها هنا , والتي في
"الماضي" كان جزءا منها , وتستوعب عدم احقيته في التدخل او
الإملاء , وأن كل ما قام به كان ايضاً بدافع من علاقة ماضية وحياة لا يجب ان تنجرف
بشكل سيء بسبب تدخلاته او عدمها , شخصيته الغير صدامية , والتصالحية (التي كانت محرض
على ظهور تشابكات الفلم) كانت تعبير عن مدى استيعاب فرهادي للشخصية من الاساس
, وانها لا يجب ان تنقل اي افكار إلى الحبكة لا تنتمي لها , أحمد لم يتصرف
كرجل ايراني , بل تصرف كأي رجل , يعود لماضي هذه العلاقة التي يعرف حدودها , أحمد شخصية بالصدفة
ايرانية , واعتقد بالمجمل ان وجود شخصية ايرانية واخرى عربية في الفلم لا تدل سوى على
قدرة المجتمع الفرنسي المختلط على الاستيعاب , طالما ان هذه الشخصيات استطاعت استيعاب
خصوصية المجتمع الفرنسي , وهذا نقطة البناء الاساسية لشخصيتي أحمد و سمير .
0 التعليقات :
إرسال تعليق