كتب : أحمد أبو السعود
التقييم : 3.5/5
بطولة : ديفيد بيننت ، ماريو أدورف
إخراج : فولكر شليندورف (1979)
تلعب الموسيقى هنا الدور الأهم في المزج و التكثيف بين مفاصل الفيلم المختلفة من حب و حرب و طفولة و دين و جنس و التعبير عن قسوة العالم بالتوازي مع الحس الكوميدي الواضح في الموسيقى كوسيلة أو كرد فعل معاكس لما تُخلَفه الحروب من خراب و دمار ، الموسيقى هنا تغوص في أعماق الشخصيات دون أن تنسى ما يحدث في العالم حول تلك الشخصيات ، تخلق للفيلم إيقاعاً واضحاً منذ موسيقى تتره الافتتاحي ؛ حيث ذلك المزج محسوس و مميز ، لكن فى النهاية لماذا يبدو (أوسكار- بطل الفيلم) شخصية باردة بعيدة كل البعد عما تحاول الموسيقى إيصاله إلى المتفرج ؟!
يقرر (أوسكار) فى عيد ميلاده الثالث ألا ينمو جسده أكثر من ذلك ،
فالعالم قاسي في الخارج و لا يرحم ، و ما أن ينتهى من حرب حتى يبدأ في حرب جديدة ،
الفترة التاريخية التي يختارها الفيلم و السرد الذى يختاره السيناريو للأحداث و
تنوع الشخصيات و ثراءها الدرامي و خصوصية الأماكن و تأثيرها على الشخصيات ، كل ذلك
كفيل بخلق دراما ثرية و جذابة على مدار ما يقرب من الثلاث ساعات ، لكن النتيجة
النهائية كان بها قدر من التشتيت و البرود.
يبدأ الفيلم بمشهد جميل ذي إيقاع ساخر يجمع بين الجنس و الصدفة و السياسة و الحرب ، يُعزز من قيمة ذلك الإيقاع هنا الموسيقى و الصورة و الأهم صوت أوسكار في الخلفية راوياً للأحداث ، كل شيء إذاً يبدو مثالياً في المشهد الافتتاحي ، يُعلن الفيلم عن قوته مُتبنياً بعداً حميمياً جميلاً مُتمثلاً في صوت أوسكار كراوي للأحداث ، أوسكار هنا هو مركز الأحداث ، هو الاختيار الذى تبناه السيناريو لنرى من خلاله الأحداث المتشابكة خلال تلك الفترة ، لكن لا تسير الأمور على ما يرام دائماً ، حالة الترميز الشديدة المنتشرة في الفيلم تبدو إلى حد بعيد خارج سياق الإيقاع الساخر الحميمي الذى قدمه المشهد الافتتاحي ، فمن الأبوين اللذين يحظا بهما أوسكار و تباين خلفيتهما التاريخية و الزمنية و السياسية ، للطبلة التي ظل أوسكار ملتصقاً بها طوال حياته ، لفكرة أنه قرر ألا ينمو مجدداً ، لطبيعة ظهور الشخصيات و انتشارهم على مدار السيناريو ، و التعبير البصرى الممتلئ بإشارات و رموز مباشرة و واضحة لا تضيف جديداً مثيراً لأفكار الفيلم و أحداثه ، و القفزات الزمنية في الأحداث لم يُراع فيها التوازن بين تطور الشخصيات و تصاعد بوادر الحرب و أثرها ، كل ذلك كان من الممكن هضمه و التغاضي عنه في سبيل الاستمتاع بنواحي جمالية أخرى في الفيلم كالموسيقى مثلاً و كيف أنها كانت العنصر الوحيد تقريباً الذى ظل مُحافظاً طوال الوقت على طبيعة الإيقاع الذى قدمه الفيلم في مشهده الافتتاحي ، أو الصورة التي كانت أغلب الوقت مميزة في زواياها و أحجام لقطاتها و حركة كاميرتها ، لكن ، يأتي اختيار المخرج للطفل الذى قام بدور (أوسكار) سيئاً جداً فالطفل لا يتمتع بأي كاريزما أو موهبة أو حضور من أي نوع و قادر بافتعاله و تزيده نسف كل لحظة حميمية جميلة يقدمها السيناريو ، حتى أن الشخصية نفسها بدت بصوته المزعج و عيونه الباردة شخصية مستفزة و سطحية و غير واضحة ، في النهاية يُحسب للفيلم مرور مدة عرضه التي تقترب من الثلاث ساعات بدون ملل مزعج بفضل المونتاج و الموسيقى و بعض المشاهد الرائعة المنثورة في الفيلم مثل مشهد البداية و مشهد النهاية أو مشهد تخيل أوسكار لراسبوتين ، أو مشهد دخوله الكنيسة مع أمه عندما ذهبت لتعترف ، أو مشهد قتل الراهبات اللاتي يستمتعن بالتقاط القواقع على شاطئ المحيط ، كل تلك المشاهد كانت تُكثف و تمزج ببراعة بين كل اتجاهات الفيلم الفكرية و التاريخية .
تبدو التجربة في المُجمل واعدة و طموحة و بها هامش مميز من التخيل و الفانتازيا المُصاحب لطفل توقف نموه في فترة حرجة في تاريخ الإنسانية ، تنطلق الموسيقى بهذا الهامش إلى مستوى قوى و متميز و تتأرجح الصورة بين جمال ذلك الهامش و بين مشاكل السيناريو .
0 التعليقات :
إرسال تعليق