كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 5/5
بطولة : شيشو ريو ، سيتسوكو هارا
إخراج : ياسوجيرو أوزو (1953)
حصيرة من الخيش.
"السيد أوزو .. لقد صنعتُ 11
فيلماً خسيساً لحد الآن وهذا خطأك ! ، في 1976 اجبرني أخي على زيارة معهد الفيلم
البريطاني وشاهدت (قصة طوكيو) ، بعدها تخليت عن أحلامي في الأدب ، وقررت أن أبحث
عن الغلاية الحمراء ! ، لقد كبرت وأنا تحت تأثير الأفلام الأمريكية ، ما أحترمه
أكثر من أي شيء أن أوزو لم يحتاج أبداً لاستخدام جريمة قتل أو بعض العنف حتى يقول
كل ما هو جوهري عن حياة الإنسان" - الفنلندي آكي كوريسماكي .
نسق أوزو وتناغمه
الشعائري ، دقته المتناهية في تنفيذ أوزانه الشعرية ، مقاييسه العالية التي لا
يتنازل عنها ، عوامل ساهمت في إنجاز فيلم اعتبره البعض الأعظم في تاريخ البشر ، فيلم
لا يبحث عن تعاطف المشاهد – وإن حصل عليه - لكنه يترك أثر بالغ ودائم لديه ، ويثير
مشاعره بشكل غير معهود .
والدان ريفيان يقرران
زيارة أولادهم في "طوكيو"، لا يجدا الحفاوة والاهتمام الواجب من قبل الأبناء
إلا عند أرملة ابنهما ، تمرض الأم أثناء رحلة العودة وتموت ، يبقى الأب وحيداً مع
بنته التي لم تتزوج بعد .
في بداية الفيلم نرى
الأب والأم يجلسان في بيتهما وفي نهاية الفيلم نرى نفس الزاوية لكن الأب يجلس
وحيداً ، هذا فيلم ليس وعظي وإن حثنا على أن نصبح أفضل ، ليس ميلودرامي وإن أثار
المشاعر بعمق ، أوزو لا يمكن تصنيف أفلامه لأنه لا يلعب بنفس الطريقة أو بنفس
الأدوات .
كاميرا أوزو الثابتة
تحدق في الفراغ (أو هكذا يبدو لنا) لتنقل احساس الزمن والمكان ، موجودة قبل ظهور
الممثلين وبعد خروجهم ، فالحياة عند أوزو ظهور واختفاء ، قبل أن يظهر الإنسان كان الكون وبعدما يموت
يظل.
أوزو المُحمَّل بتراث
شعري ياباني يستخدم الكلمة "الوسادة" للفصل بين الأبيات ، فاستخدم أوزو لقطات الوسائدPillow shots للفصل بين المشاهد ،
وبهذا يفصل أوزو مشاهده بصور للمصانع ، للقطارات ، للتفاصيل الداخلية
للمنازل ، لحجرة فارغة ، حتى يمكنك أن تتذوق "طعم البيوت"
وطعم المدينة التي يمكن أن تكون أي مدينة / منزل ، وأحياناً يتم استخدامها للتهدئة
و إلتقاط المشاعر وللحفاظ على إيقاع الفيلم .
مع كل تلك التفاصيل
يُهمل أوزو – متعمداً – عرض أحداث "هامة" ليعرض
تفاصيل ومحادثات "أقل أهمية"، يعيد حسابات الأهمية وينجح في لفت النظر
واستثارة المشاعر ، فلا يرينا – مثلاً – حفل زواج في فيلم يدور حول الحدث ، لكنه
يضمِّن الحدث فتعرف حدوثه وإن لم تره ، جنَّب هذا أوزو وصم أفلامه
بأنها مغرقة في الميلودرامية.
أوزو يتكلم دائماً عن
العلاقات الأسرية وبوجه أخص العلاقات بين الأجيال ، بين الآباء والأبناء ، فيقتبس
أوزو في بداية أول أفلامه الناطقة "
The Only Son1936" عبارة "أكوتاجاوا" – تشيكوف اليابان وصاحب راشومون معجزة كوروساوا – التي تقول "مأساة الحياة تبدأ بالرابطة
بين الآباء والأطفال" ، هذا النهج والنضج سيظل يرافق أوزو في كل أفلامه الناطقة
.
على الرغم من أن
أفلامه لم تُشاهد – كما يجب – خارج اليابان إلا بعد وفاته بسنين ، لكن تقدير سينما
أوزو يزيد كلما زادت المشاهدة ، ففي استفتاء مجلة Sight and Sound الأخير والتي تقوم به
كل عقد تصدر اختيار المخرجين تحفة أوزو "قصة طوكيو"
بينما جاء ثالثاً في اختيار النقاد ، من ضمن المخرجين الذين اختاروا الفيلم : أصغر فرهادي -
آكي كوريسماكي – مايك لي – ستيف ماكوين – بول شريدر – بيلا تار .
استشعر البعض أن
الفيلم بروباجاندا للمدينة (كيف تكون المدينة مرتبطة بكل هذا الحزن ويكون الفيلم
دعاية لها !) ، لكن المدينة ظل لاستمرارية أوزو وثباته التي توحي بأن لا أحد يهتم بقصصكم أو أفراحكم أو مآسيكم
، المدينة ستظل كما هي والمصانع ستظل تعمل والقطارات ستظل تجري ، لكن أوزو يهتم ، "قصة طوكيو"
متأثر بفيلم ليو مكاري Make Way for Tomorrow ، أوزو – بوجه
عام – كان مهووس سينمائي مخلص وأفلامه لم تخلو من أفيشات الأفلام التي أحبها .
"أصور ما لا ينبغي أن يكون
ممكناً في العالم كما لو أنه ينبغي أن يكون ممكناً ، لكن أوزو يصور ما ينبغي أن
يكون ممكناً كما لو كان من الممكن ، هذا أصعب بكثير" – ميزوجوتشي .
قد يقصد الفنان
العظيم ميزوجوتشي أن في سينما أوزو هناك تنحية مقصودة للمشاعر السلبية كالحقد والكراهية
وخلافه ، وافتراض النبل والطيبة في كل شخصياته كما لو أن هذا هو الطبيعي ، سينما أوزو لا تصدر
أحكام على الناس ولا تحاول أن تفهمهم ، لكنها تتقبلهم كما هم وتحترمهم جميعاً كما
لو أنهم جديرين بذلك ، أو في قول آخر : أوزو صنع أفلام خيالية لكنها ليست كالأفلام الخيالية .
حصيرة من الخيش.
0 التعليقات :
إرسال تعليق