كتبت : فاطمة توفيق
التقييم : 4.5/5
بطولة : باتريك بوشو ، آيدي بوليتاف
إخراج : إيريك رومير (1967)
الفيلم الثالث في السلسة والرابع من حيث
الانتاج من قائمة الستة أفلام (المورال) التي قدمها إيريك رومير في الستينات ، والـ "مورال" هنا لا تعني أخلاقية بقدر ما هي
معنية بالدوافع التي تحرك الشخص ناحية اختياراته ، يقدم رومير عقدة جديدة يضع شخصياته أمامها ويتركهم
لحرية الاختيار.
في البداية يقوم رومير بعرض الشخصيات ، (هايدي) مجرد شكل جميل تدور من حوله الكاميرا
، لا كلام لا حوار لا أفكار ، معبرا عن شخصيتها في باقي الفيلم ، هي مجرد شكل جميل
ملفت للانتباه ، لا تعرف إن كانت شخصية غامضة أم سطحية ، ثم يقدم (دانييل) المتحدث عن فنه بأنه يشبهه ، يجرح الأشخاص
التافهين الضعفاء ، يريد فقط بالقرب منه من هم أقوياء ، حادين و واضحين ، ثم (آدريان) ، ولكن استبدل رومير فقرة التعريف بشكل مباشر عنه بحوار بينه
وبين حبيبته وصديقتهما عن الجمال وعن الحب وعن الاختيارات ، خالقاً بتلك المناقشة طريقاً
غير مرئي يمهد فيه للخيارات التي سيضع آدريان – بالذات - أمامها في باقي الفيلم.
الفيلم كباقي الأفلام الستة ، يناقش التفكير
والدوافع التي تؤدي إلى القيام بسلوك ما بدلاً من مناقشة السلوك نفسه ، وذلك عن طريق
عرض الأفكار في ذهن راوي الفيلم - آدريان في في الفيلم هنا - ولكن في هذا الفيلم
تتضح أكثر الحالة التي يخلقها رومير من توتر وشد وجذب بين الفكر والرغبة ، فمثلا
دانييل المتحدث في البداية عن نفوره من الأشخاص
السطحيين الضعفاء ، إلا أنك لا تغفل خيبة الأمل التي تظهر في عينيه حينما يتحدث عن
هايدي التي لم تأت إليه حتى الآن على الرغم من
كثرة من ترافقهم من الرجال ، على الرغم من وصفه لها بأنها سطحية وبأنه غير راغب فيها.
حتى آدريان الراغب منذ البداية في الوحدة والهدوء والسلام
و على الرغم أيضاً من وصفه لهايدي أنها مزعجة وأن دانييل مخطئ في وصفها كفتاة جميلة ، إلا إنه لا
يلبث أن يقع تحت تأثير وجود فتاة جميلة حرة معه في نفس المكان ، فيحرج صديقها ، ويطرده
، يحاول فرض سيطرته على هايدي ، جذبها ثم ابعادها ، خلق الكثير من الألعاب
الذهنية والنفسية من حولهما ليس لهدف محدد سوى بقائها من القرب منه ، ساعده على الانجذاب
وراء كل ذلك فراغ الوقت والمكان والظروف الاستثنائية للعطلة التي لم يحظ بها من 10
سنوات على حد قوله ، لذا ، يصف رومير الفيلم منذ البداية أنه عن (الحب في إطار الفراغ) ، ورومير في الفيلم كما في باقي الأفلام الستة ،
يترك حرية التصرف للعقل الباطن والرغبات الدفينة لتتحرك وتخلق أفعال وأحداث مناقضة
لتصريحات أصحابها وتعريفهم لأنفسهم ، ويترك تلك الأفعال تحدث على الشاشة بدون ذكر تصريح
أو مبرر لما يحدث على العكس من رغبة شخصياته في التعبير عن أنفسهم حتى بما هو مناقض
لأفعالهم .
من أهم ما يلفت النظر للفيلم جمال صورته
وألوانها المشرقة ، وقد اعتمد رومير فيه على الاضاءة الطبيعية أغلب الوقت لانخفاض
أو بمعنى أصح انعدام الميزانية ، وأيضاً لنفس السبب - انخفاض الميزانية - اعتمد على
القليل جدا من التصوير بالكاميرا بعد الكثير والكثير من مراجعة الحوار وآدائه مع الممثلين
، وأغلب المشاهد تم تصويرها مرة واحدة ، وقد اتبع رومير نفس الطريقة في باقي أفلامه بعد ذلك كمنهج
له.
أيضاً من الملفت للنظر أنك عندما تشاهد
الفيلم ومن الموضوع الذي يناقشه والطريقة التي يعرضه من خلالها تعتقد أن صانع الفيلم
شاب في العشرينات من عمره بروحه الساخرة والمساحة النفسية التي تسمح بمناقشة فكرة كهذه
من خلال حوار يدور حول متاهات العقل والنفس كالموجود في الفيلم ، إلا أنك تفاجأ بأن
رومير عندما قام بإخراج الفيلم كان في السابعة
والأربعين من عمره ، مما يزيد من تقديرك للفيلم.
في النهاية ، في الفيلم لا توجد خيارات
أخلاقية واضحة تتجه نحوها شخصيات الفيلم بأفعالهم ، وإنما خيارات يخلقها الفراغ والرغبة
على اختلافها حتى في الشخصية الواحدة واختيار الشخصيات لما هو أقرب إليهم ويرغبون فيه
حقيقة على الرغم من اختلاف ذلك عما يصرحون به عن أنفسهم.
0 التعليقات :
إرسال تعليق