كتب : فراس محمد
التقييم : 5/5
بطولة : فرانك وولف ، سالفو راندوني
إخراج : فرانشيسكو روسي (1962)
في أفلام من هذه النوعية تبرز قيمة المونتاج لتحافظ على نسق الفلم
وتتحكم برتمه وتــُقدمه كوحدة واحدة , وتتكفل بموازنة الزمن داخل الفلم بين ماضي
الشخصية وحاضرها , المونتاج يتكفل بمنح الزمن المناسب لتحرير وطرح المعلومات
الحاسمة , المونتاج في هذا الفلم حوله من فلم عظيم لمصافي الافلام السياسية التي
قدمتها السينما في تاريخها , ووضعه في مرتبة واحدة مع افلام كـ Z لكوستا غافراس و JFK لأوليفر ستون و Battle
of Algiers لجيلو بنتكروفو .
بعد الحرب العالمية الثانية ظهرت لدى الاحزاب الصيقيلية نزعة للانفصال
وعقدت صفقة مع قطاع الطرق لتحولهم لجناح عسكري وبالمقابل تمنحهم بعد الانفصال
حقوقهم المدنية وتعيدهم لحياتهم الطبيعية وتتكفل بشطب جرائمهم , في هذا الفلم تبرز
فكرة أن الخسارة العسكرية قد تتحول لانتصار سياسي و العكس صحيح , وأن السياسة
لديها القدرة على استغلال كل طلقة , وكل جريمة وكل شعور وطني انفصالي كان ام لا
لصالحها , وأن السياسة شيء , والعسكر وميدان القتال شيء آخر , والشعب آخر المعنيين
رغم انهم قد يكونوا متعاطفين مع طرف أو آخر , هذا الفلم يمكن ان يختصر المعنى
السياسي في السينما وأن الغرف المغلقة والأقبية وكهوف الجبال وقاعات المحاكم هي
الامكنة التي تقرر فيها المصائر .
بدأ فرانشيسكو روسي فلمه من المكان الذي يعطي شخصيته الرئيسية
البطولة , الشخصية التي لم تظهر طيلة احداث الفلم سوى ممددة على الارض ومضرجة
بدمائها , في الافتتاحية , سلفادوري جاليانو ميت , هل هو ثائر , ام قاطع طريق , هل هو روبن هود , هل
هو مجرم ، ومن طلب رأسه , الدرك الايطالي
في صيقيلية بعد الانفصال , ام قطاع الطرق , ومن موت هذا الرجل
الغامض , عاد روسي لبداية تضخم الشعور بالانفصال في صيقيلية منتصف
الاربعينات , وكان مسرح الفلم هو مدينة صيقيلية , حيث تجنب روسي الدخول لمكاتب اتخاذ القرار السياسي ,
وصور آثار التطورات العسكرية على أهالي القرى في صيقيلية , كيف عاشوا
هذا النزاع , ومن استفاد منه بعد الانفصال ومن خسر , حيث كان شديد التحكم في تصوير
هذا الجزء الذي ذهب بكاميرته لذات الامكنة التي حدثت فيها النزاعات , وصورها وكأنه
يعيد خلقها في فلم شبه وثائقي حيث يمكن بسهولة الشعور بعظمة قدرته على خلق هذه
الواقعية من جديد , قبل ان ينتقل لفترة ما بعد الانفصال حيث عاد ثوار صيقيلية
الانفصاليين لكهوفهم كقطاع طرق حينما تخلت عنهم السياسة , فما كان من قادتهم إلا
ان انخرطوا بها كحل وحيد للحصول على مكاسب ما بعد الانفصال , ليعودا للتحالف مع من
حاربوهم للمرة الاولى , حيث بدت السياسة لا تعترف بالمنطق , ولا بالمشاعر ولا
بمبادئ , اراد فرانشيسكو روسي ان يصل لنتيجة ان حملة البنادق ليسو سوى بيادق
وكومبارس لا قيمة لهم في حقل السياسة ، ليس ثمة اسهل من اقصائهم , وليس ثمة اسهل
من تجييشهم .
انتاج الفلم الضخم ساعد في قص الرواية بأفضل طريقة , وكاميرا روسي التي
كانت تخترق كل الامكنة , من الاقبية المظلمة لساحات الحروب ومناطق حظر التجول
وساعات المداهمات الشديدة الواقعية , اضافة لقاعات المحكمة التي لا تناقش شيئاً له
صلة بحقيقة ما جرى على الارض , روسي مرة اخرى يناقش معضلة ما جرى وما قيل والفارق بينهما ,
وكيف ساعدت السياسة في تكوين المناخين , المناخ السياسي في ساحة الحرب , والمناخ
السياسي المغاير في الاماكن المظلمة والاماكن التي تُنتزع منها النتائج ، التي من
المعروف سلفاً لصالح من ستصب , ويبدو ان لا شيء تغير , سواءً بعد الانفصال او قبله
.
هذا الفلم هو انجاز سينمائي كبير للمخرج فرانشيسكو روسي , لم
يستعمل اي اساليب مباشرة لخطاب مشاهديه او لإجبارهم على الاصطفاف مع احد الاطراف ,
التي يبدو انه يلومها جميعاً على انقساماتها وعلى صراعاتها , واختياره لمواقع تصوير
تعطي اصدق صورة عما جرى في أربعينيات صيقيلية , اضافة لاستخدامه المونتاج بطريقة عززت قيمة هذا
الفلم , وساهمت في استيعاب مدى تعقيد الاحداث وسرعة حدوثها وتأثيراتها كما انه
اعطى احداث فلمه اثارة كبيرة وقدرة على جذب المٌشاهد بسهولة رغم عدم استعماله اي
موسيقا تصويرية , قدمها بالشكل الذي يحول السياسة للغز او للعبة بازل , هذه
الجزئية من الفلم ظهر فيه تأثره بنمط جان بيير ميليفيل في خلق الاثارة وتحكمه في رفع و خفض وتيرتها , , ليس
من المستغرب ان يكون هذا الفلم واحد من الافلام العشرة المفضلة لدى مخرج عظيم كمارتن سكورسيزي
.
0 التعليقات :
إرسال تعليق