كتب : فراس محمد
التقييم
: 4/5
بطولة
: معصومة نادري ، زهرة نادري
إخراج
: سميرة مخملباف (1998)
قدمت سميرة مخملباف هذا الفلم وهي في عمر الثامنة عشر , لسيناريو والدها المخرج الايراني
الشهير محسن مخملباف , والتي اكتسبت عنه شيئاُ من لونه الوثائقي , لكن في فلمها هذا , كان
اللون الوثائقي فيه بمعنى تسليط الضوء على مشكلة , ومناقشتها ورصد شخصياتها وهي
تعيش مشاكلها تحت عين الكاميرا , فلمها الوثائقي هذا , اكتسب لوناُ درامياُ (ديكودراما) , عكست سميرة الآية
, وجعلت من الواقع فلماُ سينمائياُ , وهذا ما سبب احساساُ قوي , بأن هذه العائلة ,
تعيش محنتها , دون رتوش , أو دون مبالغة , مع ذلك , استطاعت سميرة ان تستخلص من هذه
التجربة السينمائية , افكاراُ عن ماضي هذه العائلة , واصل أو جذر المشكلة .
منذ بداية الفلم سنجد ان اسمي سميرة ومحسن مخملباف
موجودان على العريضة الموقعة من قبل اهل الحي والموجهة لهيئة الشؤون
الاجتماعية للاطلاع على واقع حال عائلة مكونة من أم مصابة بالعمى وزوجها العجوز
الفقير , الذي يعيش على ما يحصل عليه من معونات , وابنتهما التي حكمت عليهما
الظروف ان تعيشان في سجن , خلف القضبان طيلة احد عشر عاماُ من حياتهما , لم
يستطيعا خلالها تعلم شيء , حتى النطق لديهما لم يكن سليماُ , فكان الحل الاجدى
لوالدهما ان يبقيهما بعيداُ عن العين , وبعيداُ عن أي محاولة قد تلحق به العار ,
كونهما فتاتين , وهذا ما حرمهما من ادنى مقومات الحياة , فاعتادتا على السجن , وعلى
أي شيء يحصلان عليه , التفاحة ، التي قادتهما نحو العالم (في اسقاط عكسي لتفاحة آدم التي اخرجته من
الجنة) , سببت لهما سعادة لا يمكن وصفها , تفاحة واحدة , عرّفتهما على ما خارج
الجدران , على الاصدقاء , وعلى ما معنى ان تريا اباهما وراء القضبان – مشهد قيام
معصومة بفتح قفل باب الحديد لأبيها , مشهد عظيم جدا , يكفي ان ترصد وجه هاتين
الفتاتين .
سميرة , لم تكن هنا تلقي اللوم , بشكل مباشر , على الوالدين , أو على
مجتمعهما , أو على الواقع الاجتماعي المفروض , ولا حتى كان اللوم على النظام
السياسي الذي كرس بوصوله للحكم كل اشكال التعصب الديني والتخلف الاجتماعي , هنا
تلقي اللوم على قدرات المنهارة أمام القضبان على العجز أمام صلابة القفل , القضبان
كما صورتها سميرة بدت واقعاُ , يمكن القبول به , أي محاولة لكسره قد تبدو عبثية ,
خصوصاُ انها ليست فقط مجرد قضبان من الحديد , ما يجب ان ينكسر , اقسى بكثير من
الحديد , لا تستطيع ان تستغرب عدم اكتراث الام العمياء بنظافة ابنتيها امام
اهتمامها بازالة الغطاء عن رأسيهما , لا تستغرب ان يلجأ الوالد لتعليم بناته الطبخ
والكنس عندما فُرض عليه ان يقوم بتعليمهما , ولكن ايضاُ , لا يمكنك سوى ان تصدقه
وهو يغني من قلب متعب لقد تعبت من الحياة
, ارشدني يا الله لعتبات الموت .
لم نلمس طيلة فترة الفلم , كرهاُ من قبل الاب , أو الام , لطفلتيهما ,
على العكس , يبدو ان الاب يملك في قلبه حنانا لا يبخل به على ابنتيه , لا يمكن
ايضاُ سوى ان نبرر لامهما غضبها وشتمها لموظفة الشؤون الاجتماعية , فنهاية الفلم
ابرزت فعلاُ كم ان الام كانت ضحية , وإن استطاعت ان تعلم بناتها شيئا في اعوامهما
الاحدى عشر , هو ان تمارسا دور الضحية باستسلام
كما مارسته هي طيلة حياتها , فهناك قوى اكبر من الجميع , تتحكم وتستولي على
مفاتيح الحبس الارادي , الذي اوجدت هذه العائلة نفسها بها , رغم ان تفاحة واحدة
قادرة على كسر الاغلال .
إن كانت سميرة , وهي في عمر الثامنة عشر , قد اقدمت على معالجة هكذا موضوع بهذه
الشفافية , فلا نستغرب ايضا ما قدمته في تحفتها
الخامسة بعد الظهر ولا نستغرب اعتبارها ظاهرة
سينمائية قد لا تتكرر كثيراُ .
0 التعليقات :
إرسال تعليق