كتب : محمد المصري
التقييم : 4.5/5
بطولة : واكين فينيكس ، فيليب سيمور هوفمان
إخراج : بول توماس أندرسن (2012)
في بداية الفيلم ، يجلس
فريدي في جلسة التأهيل النَّفسي بعد الحرب العالمية الثانية ، يُحاول
التهرُّب من سؤالٍ عن حُلمٍ يراه في منامه باستمرار ، قبل أن يستسلم في النهاية : (كان حُلماً عن أبي وأمي
وعنّي ، في الديار ، كنا نجلس حول المائدة ، ونَشرب ، ونَضحك ، ونوعاً ما ينتهي هُنا)
، قُرب مُنتصف الفيلم يسأله (السيد) في مشهد عَظيم عن والده ، يخبره أنه مات سكراناً ، (وأمَّك؟) ، يتردد
فريدي كثيراً كثيراً : (في مشفى للمجانين) ، ذلك الأمر يَحكي الحكاية كُلّها.
نَحنُ ننتهي من الماضي
ولكن الماضي لا ينتهي منَّا ، بول توماس أندرسون يؤمن بذلك إلى درجة الثَّمالة ، في فيلمه السادس
ضمن مسيرة استثنائية لمخرجٍ شاب يتناول مُحاولة انعتاق روح من ألمِها وجنونها وماضيها
، دراسة سلوكيَّة ونفسية عَظيمة جداً في شخصِ فريدي ، الشاب الذي يَهرب من حبيبته خوفاً
من جنونه ، يذهب إلى الحَرب ضمن خيارات عدة حمقاء بحثاً عن مَهربٍ ، قبل أن يَخرج مُحطَّمَاً
ومُهتزاً و مهترئاً بالكامِل ، مُقابلة السيد لانكستر بالنسبةِ لفريدي كانت فرصة للتحرُّر
من كل هذا ، لا يأخذه بجديّة إلا عند لحظة (الاختبار) ، تِلك التي
يُوَرّطنا فيها بول توماس تماماً : هذا الثُّقل الشديد في الماضي ، ثم تِلك القطعة
الهادئة لحُلمٍ مُتخيّل يعود فيه إلى دوريس ، فريدي يخاف من نفسه ، وحين يُخبره لانكستر في مرحلةٍ لاحقة
أنه (الوحيد الذي يقبله) فإن ذلك يبدو حقيقياً تماماً ، وقبول لانكستر هذا هو
فرصة فريدي الوحيدة ليقبل نفسه ويتحرر من كل شيء ، لذلك فهو لا يَقبل المساس بـ(السيّد) ، ولا
يحتمل الشَّك ، ويثور في ثلاثِ مرَّات على أيّ ممن يُشكك فيه ، قبل أن يَذهب بعيداً
، يَهرب أو يَنجو ، لمرةٍ أولى ثم لمرةٍ ثانية ، يحاول البدء من جديد ، ويُنهي أندرسون الحكاية
دون يَقين ، هو فقط يُتابع مُحاولة بطله.
هُناك العديد من التفسيرات
للفيلم و (السيد) والأبعاد الفلسفية والتاريخية للحكاية التي تُسْرَد هِنا
بجنون ، وبعضها يبقى غامضاً بشدّة ويحمل تأويلات عدة ، ولكن ذلك المسار الذي اتخذته
شخصية فريدي هو الأمر الأساسي في مَكانة هذا الفيلم عندي بين أفلام
2012 ، إلى جانب قيمته السينمائية الرَّفِيعة ، للرجل الذي يُنظر إليه دائماً ، لشدة
التقدير والقِيمة ، باعتباره "أورسون ويلز الجديد".
واكين فينيكس و فيليب سايمور هوفمان
يجسدان أفضل الأداءات الرئيسية والمُساعدة في ذلك العام ، و بول توماس أندرسون
يُبرهن من جديد على كونه صفوة مخرجي جيل التسعينات وامتداداً لعظماء هوليوود القدامى
، وأن كل فيلم جديد له هو (حَدَث سينمائي) يستحق الاحتفال والتأمُّل.
0 التعليقات :
إرسال تعليق