كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 5/5
بطولة : سيتسوكو هارا ، شيشو ريو
إخراج : ياسوجيرو أوزو (1949)
حصيرة من الخيش .
"في هذا العالم يحب الناس
تعقيد الأمور ، الأشياء فعلاً قد تبدو معقدة، لكن من يدري ! جوهر الحياة – على غير
المتوقع – قد يكون غاية في البساطة !" - أوزو
مؤشران هامان أعتقد
بوجودهما لتمييز المخرج العظيم ، الأول قدرته على إخراس الصوت اللعين الذي يراهن أن الفيلم لن
يستمر بنفس القدر من الجمال الذي بدأ به ، الثاني هو كم الأصالة في أعماله حيث تميز فيلمه من مشهد واحد ،
لكن تعرُّف فيلم لأوزو مسألة تحتاج ربما إلى صورة واحدة فقط .
أوزو ثائر راديكالي شديد
الهدوء ، لا يطور أو يُحدِّث بل يبتكر سينما بديلة كلياً ، أوزو يصور – دائماً –
بالعدسة الخمسين ملم ، يكسر – دائماً – قداسة قاعدة المائة وثمانين درجة ، يتحدث –
دائماً – عن العلاقات بين الأجيال عن طريق ممثلين ينظرون مباشرة إلى الكاميرا ، يُخرج
الصامت والناطق والملون ، لديه كاميرا شديدة الثبات ، يبدأ وينهي أفلامه – دائماً
– بحصيرة بسيطة من الخيش .
أستاذ جامعي أرمل
يريد تزويج بنته نوريكو التي ترفض الزواج لرغبتها في البقاء مع أبيها كي لا
يكون وحيداً ، لكنها تستجيب لضغوط الأب والعمة وتوافق في النهاية .
كلمات قليلة يمكنها
تلخيص قصة الفيلم ولا توجد كلمات كافية لوصف كم الجمال والعظمة ، والأهم وصف الحزن
، القصة البسيطة تقول الكثير عن الإنسان كما تقول قصة اليابان بعد الحرب ، هل تحتفظ
بالتقاليد أم تتجه ناحية الغرب ، زوج نوريكو لا نراه قط ، لكن نعرف من وصف العمة أنه يشبه الممثل
الأمريكي جاري كوبر من جهة الفم فقط ، أوزو يختار مستقبل نوريكو ومستقبل
اليابان التي على أعتاب ترك ماضيها مثلما تترك نوريكو أباها ، وتنطلق
ناحية الحضارة الغربية من جهة الفم فقط ، أو هكذا يأمل أوزو.
العلاقات بين الأجيال
يمكن اعتبارها امتداد للتشتت الحضاري الحاصل في اليابان بين التقليدية والحداثة ، بين
العادات القديمة وملامح الهيمنة الأمريكية ، أوزو هو واحد من الأوائل
– ربما الأول – في استخدام رموز تلك الهيمنة كلافتة كوكاكولا التي تظهر
في أحد المشاهد .
شخصية الأب متفهِّمة
هادئة ، يستعيض عن الكلام بالإيماء ، شخصية نوريكو رقيقة
مُحِبَّة ، دائمة الابتسام حتى عند الغضب والحزن ، لكنها لن تمكث كذلك عند الفقد ،
ربما الشخصيات – والفيلم كذلك – لا يصلحان لزمننا ، لكن الأكيد أن الخلل ليس في
الفيلم ، فكل فيلم لأوزو – كما يقول الناقد مايكل أتكنسون – هو درس خام متكامل لمدى
الجودة التي يمكن أن تصل إليها السينما .
سيتسوكو هارا الممثلة العظيمة ذات
الابتسامة الساحرة التي قامت بدور نوريكو في أفلامه (من ضمنها مفضلي و مفضل أوزو نفسه : أواخر الربيع)
لم تتزوج قط هي الأخرى حتى اسماها اليابانيون "العذراء الأبدية"
، بعد وفاة أوزو اعتزلت التمثيل ورفضت إجراء أي مقابلة صحفية ، احتجبت في كاماكورا حيث صوروا
فيها الأفلام سوياً وحيث يرقد أوزو.
يقول المُذهِل شيشو ريو الذي
لعب دور الأب وممثل أوزو المفضل : "أوزو – السيد – امتلك قوة
شخصية لا تُضاهى ، ترك بصمته في كل شيء حوله ، كل شيء أصبح امتداد له ، ففي
الاستوديو – مثلاً – لم يكن مهتم فقط بالديكور عامةً لكن بكل تفصيلة ، كل وسادة
صغيرة وضعها بيده ، كل شيء متناهي الصغر يضعه حيثما يرى ، لا شيء متروك للصدفة ، حتى
إنه كان يُهندِم ملابس الممثلين قبل اللقطات ، لا شيء خطأ في هذا طالما المرء
متأكد حقاً مما يريده".
أوزو – الأصلي الأصيل –
لا يأتي بالداخل ليعرضه للخارج ، لكن يأتي بالخارج كي يرى الداخل ، فابتدع وضع
للكاميرا سيُعرف بالـ Tatami Shot، وهي زاوية منخفضة موزاية
"نظرياً" لمستوى نظر الجالس على حصيرة التاتامي ، مهملاً
التصوير من مستوى فوق الكتف ليضع المشاهد داخل الحجرة جالساً على حصيرة التاتامي يتابع
ويراقب ، يأكل الأرز ويشرب الساكي ويرى دخان المصانع ويسمع أصوات القطارات .
البعض يفسر الزاوية
المنخفضة بأن أوزو يريد عرض شخصياته – العادية – حيث يعطيهم أهمية وعظمة وإن
كانوا فقراء أو مهمشين ، بينما تفسير المخرج ماساهيرو شينودا – الذي
عمل مساعداً لأوزو – بأن السبب هو منع الكاميرا من اتخاذ وجهة نظر إنسانية !
، مفسراً قوله بأن أوزو يرفض الخضوع لأن تكون السينما مجرد امتداد للرواية .
"سينما أوزو سينما طيبة ، فهو
يقدر العلاقات الطبيعية المتفاعلة ، لقطاته الطويلة أبدية وتتسم بالاحترام ، العلاقات
بين الناس يصورها في لقطات طويلة وهذا هو نوع التقدير الذي اكنَّه أوزو لجمهوره" - عباس كيارستمي
(والذي كرَّس لأوزو فيلمه التأملي "خمسة").
حصيرة من الخيش.
0 التعليقات :
إرسال تعليق