كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 4.5/5
بطولة : جانجيرو ناكامورا ، ماشيكو كيو
إخراج : ياسوجيرو أوزو (1959)
حصيرة من الخيش.
"في قرننا هذا إن كان لازال
هناك شيء مقدس .. إن كان هناك كنز مقدس للسينما ، ستكون بالنسبة لي أعمال ياسوجيرو
أوزو ، بالنسبة لي لم تقترب السينما من قبل أو من بعد من جوهرها وغايتها لتعرض
صورة إنسان هذا القرن بطريقة صادقة وصالحة حتى يتعرف الإنسان على نفسه ولكن – قبل
كل شيء – ليتعلم شيئاً عن نفسه" - فيم فيندرز (الألماني في فيلمه Tokyo-Ga الذي خص به أوزو).
كيسلوفسكي له اقتباس شهير حيث
يقول أنه يبحث عن أواصر الترابط بين الناس في العالم ، يمكننا القول أن الياباني
وجد تلك الروابط منذ بدأ ، حتى أنه من المدهش كيف لأفلامه أن تكون وثيقة الصلة
بعالم اليوم الذي لم يعرفه ولم يعشه !
في إعادة لفيلمه
الصامت "قصة الأعشاب الطافية" يخبرنا أوزو نفس القصة ، تصل فرقة
من ممثلي المسرح المتجولين إلى إحدى القري الساحلية – يستخدم اليابانيون مصطلح "الأعشاب الطافية"
لوصف الممثلين المتجولين ، يزور مدير الفرقة عشيقته السابقة وأم ابنه الذي لا يعرف
أن المدير أباه ، تعلم العشيقة الحالية بالأمر فتذهب إلى مطعم الأم لتواجه المدير
لكنه يطردها خشية أن تفضح السر ، تخطط للانتقام بأن تجعل أحد الممثلات تغوي الابن ،
الممثلة تغويه بالفعل لكنها تقع في حبه ، يعرف المدير بالمخطط ويثور فيحل الفرقة ،
تنصحه الأم بأن يصارح ابنه بالحقيقة ويعيشوا كأسرة سوياً ، الابن يغضب عند معرفته
بالأمر فيقرر الأب الرحيل ، يجد المدير في محطة القطار عشيقته فيتصالحا ويرحلا إلى
بداية جديدة .
القطارات دائمة
التواجد في أفلام أوزو ولها دلالات هامة وتوظيفات جمالية كخيول تاركوفسكي و مرايات
فاسبندر ، أحياناً يتواجد القطار ليعطي احساساً باستمرارية الحياة
، وأحياناً ليعطي احساس الرحيل أو الموت ، وأحياناً لا لشيء ولكن لأن أوزو مولع بالقطارات
!
لا يوجد أبطال أو
أحداث في أفلام أوزو ، المقصود بالأبطال من هم "أكبر من الحياة"
المدركين لكل شيء ، والمقصود بالأحداث المثير منها والتي لا تحدث كثيراً وأحياناً
لا تحدث أبداً ، لكن في أفلام أوزو – فتوِّة الناس الغلابة – الحب والزواج ، الموت والفراق ،
الأسرة والآباء والأبناء ، المدينة والقرية ، بما فيها من مشاعر وأحداث مهمة في
حياة كل إنسان .
أوزو – مثل شابلن – إنسان
عظيم منح الفقراء اهتمامه ، جعل حياتهم – الخالية من السلاح والساموراي –
غنية بجمال عميق ، حوّل تلك الحياة إلى أفلام شعرية دون اصطناع ، تعمَّق بدون سعي
ملحوظ ، محفزاً كل تلك المشاعر القوية .
"كل أفلام أوزو عظيمة ، تعكس
حكمة شديدة عن طبيعة الإنسان ، كما في كل الأعمال الفنية العظيمة المعنى النهائي
متروك لتأويل المرء الخاص ، لذا أعمال أوزو دائماً طازجة ومُلحَّة ، قد تبدو موضة
قديمة لكنها لا تصدأ أبداً ، دائماً أرجع لتلك الأفلام كالأصدقاء القدامى لأفاجئ –
مجدداً – بمدى كونها ثاقبة وكاشفة لطبيعة البشر ، بشر أكاد أقسم أني أقابلهم كل
يوم ، لو أن هناك أحداً يستحق التقدير كسيد صناعة الأفلام فهو أوزو" - الناقد دينيس شوارتز.
اليابانيون – أنفسهم –
حرموا العالم من أفلام أوزو لاعتقادهم أنه شديد اليابانية ، وأن العالم لن يهتم لمشاهدة
أفلامه ، فقد اعتاد المشاهد رؤية اليابانيين في ملابس العصور الوسطى وسط معارك الساموراي ،
لكنه ليس مستعداً لإن يشاهدهم بأربطة عنق ، أفلام أوزو تعد من Shomin-geki (دراما الناس العاديين) ، وهي نوعية أفلام قام بابتداع اسمها أساتذة
السينما الغربيين للتعبير عن الأفلام اليابانية التى تركز على الحياة اليومية
للطبقة العاملة ، أفلام أوزو الأربعة وخمسون فقدنا منهم سبعة عشر فيلماً صامتاً بسبب
الحرب .
مع أفلام أوزو الملونة
نكتشف حبه للأحمر وسط لوحاته ، كما نكتشف أن غلاية الشاي – دائمة الوجود في أفلامه
– حمراء ، التوقيع بالأحمر هو التوقيع المعتاد للرسامين اليابانين .
"هذا الموقف تجاه أوزو – اعتباره
موضة قديمة – يبدو غريباً بالنسبة لي ، لكنه جعلني واعياً بأن لا علاقة لي بالموضة
، لكن بالأسلوب ، أفلام أوزو – كما هي أفلام الأساتذة – قد تصير موضة وقد لا تصير ،
لكن القوة الأسلوبية والخصوصية الفنية لا تتغير" - جيم جارموش
حصيرة من الخيش.
0 التعليقات :
إرسال تعليق