كتب
: محمد المصري
التقييم :
5/5
بطولة : أنتوني
بيركنز ، جانيت لي
إخراج :
ألفريد هيتشكوك (1960)
في الستين من عُمره ،
كان هيتشكوك قد حقق عدداً من أكبر نجاحاته خلال الخمسينات ، صار واثقاً كفاية لأن يذهب
في مغامرةٍ غير مُعتادة ، ويصنع فيلماً بـ800 ألف دولار فقط يكون هو – بصورةٍ أوضح
وأظهر من أي مرة - بَطله الأول ، وربما الوحيد ، (قررت
التجريب وصناعة فيلم ألاعب فيه الجمهور) ، و السيد كان في مزاجٍ
مُناسبٍ للمُلاعبة ، ولم يَكن يدري أنه يَصنع للتوّ (أنجح) أفلامه على الإطلاق
، وما يعتبره الكثيرون أعظمها أيضاً.
(في هذا
الفيلم الموضوع نفسه لا يهمني كثيراً ، ولا يهمني الممثلون أيضاً ، ما همّني هو تجميع
أجزاء الفيلم ، والتصوير ، وشريط الصوت ، وكل ما هو تقني بحت بإمكانه أن يجعل الجمهور
يُوَلْوِل ، وأعتقد أنه إرضاء كبير لنا أن استخدام فن السينما لخلق انفعال جماهيري
، وما هز الجمهور ليس القصة و لا الأداء ، ما هز المشاعر إنما كان الفيلم الصِرْف) ، و لمُلاعبةِ هيتشكوك أشكالٌ عديدة في هذا الفيلم
، وما من تفصيلةٍ تُرِكَت للظروف ، في كل لَقطة (كنت
أضع الجمهور في ذهني ، أسير معه وأحاول أن أفهم كيف سيفكر ، كي أصنع شيئاً مُدهشاً).
يَبني هيتش الـ45 دقيقة الأولى مثلاً
بشكلٍ عادي وإيقاعٍ مُتَمَهّل ، يحرك أذهان الناس عن أنه عملٌ عن السرقة ، يجعله يتعاطف
مع الشخصية ، التي يختارها كنجمةٍ سينمائية على قدرٍ من الشهرة ، ويُمَحْور كل شيء
حول المال والـ40 ألف دولار ، الحوار والمونتاج وزوايا التصوير ، ذلك كله كي يُحضَّر
لقنبلته الخاصة ، الشيء الذي قَلَبَ موازين السينما ، حين رأى الناس نجمة تُقتل على
الشاشة بأبشعِ صورة.
مشهد
الحَمَّام ، أعظم مَشهد في تاريخ هيتشكوك بالتأكيد ، استغرق تصويره
7 أيام في حين أنه لا يستمر على الشاشة أكثر من 50 ثانية ، ورغم أن السكين لا يُلامس
جسد جانيت لي إلا أن الجمهور كان يَصرخ في عروضِ الفيلم ، هذا تحديداً بسبب (السينما) ، ألاعيب التصوير والمونتاج
السريع وموسيقى بيرنارد هيرمان ، كل ما هو (سينمائي) قَحّ هو ما ترك هذا
الأثر الذي لا يُنسى ، وهذا تحديداً ، وأكثر من أي شيء ، هو انتصار هيتشكوك الأكبر ، والأهمية الفائقة
لفيلمه هذا.
لاحقاً ، لا يتوقف هيتش عن المُلاعبة ، ليس في
سيناريو الفيلم ، العادي عند قراءته مَكتوباً ، ولكن في أدواته (السينمائية) التي كانت في قمتها
، مشهد مثل إنزال نورمان والدته إلى القبو ، يصورة في لقطةٍ واحدة تدور فيها الكاميرا بشكل غريب
كي تأخذ لقطة رأسية من خارج الغرفة ، لماذا يفعل ذلك ؟ ، كي لا يضطر للافتعالِ في عدم
تصوير الأم إذا ما لجأ لتقطيعٍ عادي ، وكيف يصرف ذهن الجمهور عن (لفّة) الكاميرا الغريبة ؟
، بالحوارِ الدائر بين نورمان وأمه وانشغال الجمهور بالصراعِ و (الخناقة) الصوتية ، وهكذا كان
يستغل كل لقطة وكل مساحة على شريط الصوت ، لم يكن فيلماً بقدر ما هي مباراة شطرنج ،
(وكنت أحاول أن أسبق تفكير الجمهور في كل خطوة).
حقَّق الفيلم حينها ما
يزيد عن 45 مليون دولار ، أكثر من أي فيلم آخر لهيتشكوك ، وسعادته به كانت لا
تُوصف ، لأنه ، في وقتٍ لم يكن النقاد يعيروه انتباهاً ، ولم يكن الناس يأخذونه بجدية
كافية ، جاء هذا الفيلم ، دون نجم شباك ، ومُقتبساً عن روايةٍ متوسطة القيمة ، ليصنع
دوياً تاريخياً في السينما ، اعتماداً فقط على موهبة المُخرج ، ولعقودٍ بعدها ، صار
نموذجاً للفنِ الصّرف ، الفن القّح ، ما يمكن أن تفعله الأفلام ، بالصوتِ والصورة ،
ويعجز عنه أي وسيط آخر عرفه الناس ، كان Psycho هو عُصارة السينما وخُلاصة مَعرفة مُعلمها العظيم
الذي لم يقدم أي فيلم خالِد آخر بعد ذلك ، كأنه أخرج هنا كل ما يعرفه ، واكتفى.
.
.
لثلاثةِ أشهر لم أفعل
أي شيء أكثر من مُشاهدة أفلام هيتشكوك ، قراءة حواره مع تروفو ، والكتابة عنه ، كانت
تجربة مُدهشة في المُجمل ، أتمنى أن يَفعلها الجَميع ، وعلى الأغلبِ تنتهي التجربة
مع تلك السطور ، وأنا مُمتن جداً للسيد ألفريد على ما منحه للسينما خلال 5 عقود ، وما
منحه لي طوال 3 أشهر.
0 التعليقات :
إرسال تعليق