كتب : فراس محمد
التقييم : 4/5
بطولة : فاطوماتا كوليبالي ، ميمونة هيلين ديارا
إخراج : عثمان سمبين (2004)
قد لا يستقبل الكثير هذا
الفلم بكثير من الحماس ، ولكن مشاركة المخرج والروائي السينغالي عثمان سيمبين في
كان لعام 2004 قد تكون واحدة من الاحداث السينمائية الاساسية في ذلك العام ، الرجل
المقل الذي قدم القليل من الافلام وبفترات زمنية متباعدة (متباعدة أكثر مما يجب لتحفظ
اسمه في ذاكرة السينما ، ولكن افلامه التي اقتبسها من رواياته فعلت ، واصبحت كلاسيكيات في السينما العالمية وليس
فقط الافريقية (وهذا الفلم قدمه في
الثمانين من عمره ، وإن كان الفلم قادرا على اعطاء اشارة قوية , فهي اشارته لخبرة
هذا المخرج الحياتية .
الفلم الذي يبدو من البداية
وكأنه يرغب في تبني قضية والدفاع عنها يقدم أكثر من ذلك ، هو لا يكتفي بتبني قضية
, هو يحلل كيف تنبت بذرة التمرد ضدها , بدأها بتصوير مقدار التخلف الاجتماعي الذي اختلط
بالخرافة التاريخية والجهل الديني الذي صنع تقليد قروي يقوم بختان فتيات القرية خلال
فترة محددة من الزمن عبر جماعة نسائية دينية يمكن ان تجد شبيها لها في اي مجتمع يشابه
هذه القرية ولأي غرض كان , الفلم يبدأ هنا ولا ينتهي عندها ، ربما لم ينتهي بعد ، ما
زال أثره مستمرا ، وعثمان لجأ لأسلوب سهل ممتنع في فتح الجرح المقطب بالسكوت والخوف
من العار أو الخوف من الاختلاف ، وعلى الاغلب الخوف من العقاب ، وهذا يبدو واضحاً مع
افتتاحيته التي صورت ركوع النساء الاربع لزوجهن على الطريقة العسكرية .
الفلم لم يأتي بتمرده
من فراغ ، قصته بدأت قبل ان يبدأ الفلم بسنوات ، وأنهاها وترك للزمن المساحة لكي يستمر
ويدع للمشاهد ولخياله لتصور ما الذي سيحدث
بعد انتهاء آخر مشهد من الفلم وبعد ان يحمل طاقم الفلم ومخرجه الكاميرا ويبحثوا عن
قضية أخرى ليضعوها تحت عين العدسة ،انهاها بأسلوب فيه مساحة
من التفاؤل المرجو في طريقة قد تكون خيالية لتغير مجرى القدر .
عثمان سيمبين لم يلجأ كما عادة هذه
النوعية من الافلام لتصوير وقاحة الواقع دفعة واحدة تجاه نساء هذه القرية المعرضن لمبضع
الدين والجهل ، ومشرط تخلف وسلطة رجال القرية , بل حاول ان يعطي جرعات تدريجية من اسلوب
الحياة الذي يصوره ، وبهذا الشكل ابتعد عن تصوير مشاهد تثير التعاطف المجاني لدى مشاهديه
، حقيقةً الفلم يبحث عما هو أكثر من التعاطف ، ولولا ذلك لما تمكن من دس كل تلك الرموز
والتلميحات بهذا شكل الجريء والواضح وبهذه
العين الخبيرة ، بالشكل الذي يمد فيه اصبح الاتهام أكثر من اصبع اللوم ، بالشكل الذي
يجعل الحكاية أبعد من أن تكون مجرد حكاية لفتيات قرية في مجاهل افريقيا ، هنا تبدو
القصة تمس أي مجتمع يرفض أن يساير العالم المحيط به , او أن ينعزل في قبر الاجداد وجامع
القرية ، ومن هذا الباب أدخل عثمان فكرة الراديو ، صلة الوصل الوحيدة بين القرية وما تبقى من
العالم ، وأول شيء تم رفضه وإقصاءه حالما بدأت الرغبة بالتمرد بالنمو , وفي أكثر المشاهد
تكرارا في الفلم وأكثرها أهمية وتعبيرا ، كان جبل اجهزة الراديو يتوسط الكادر بين الجامع
وقبر الاجداد ، وحينما اتخذ القرار بإحراقها ، غطى دخانها ذلك القبر وذلك الجامع بمشهد
خلاب ومعبر .
استخدام عثمان للشخصيات
الثانوية يساوي من حيث الاهمية شخصياته الرئيسية ، كل شخصية ثانوية بدت وكأنها عامل
تغيير يطرأ في احداث الفلم , تغير مسراه وتزيد من ثقل فكرة (ضرورة تغير الواقع) ، وأن الانعزال عن العالم شيء
غير ممكن حتى ولو تم حرق كل اجهزة الراديو في القرية ، التي احسن المخرج تصويرها وتصوير
تفاصيلها لتبدو بيوت الطين التي لطالما تشبعت بالتخلف ، تستطيع نفسها ان تحتضن التمرد
عليه ، التحضر ليس مظهر ، كما اراد الفلم ايصاله ، هو سيكون مؤذي أكثر عندما يصبح على
شكل أفكار , على شكل استفادة من جروح قديمة ، وما استطاع الفلم القيام به , انه اوصل
الحكاية لدرجة النضج التي تجعلها قادرة على جعل هذه الافكار مبررة ومؤثرة بشكل مجرد
.
0 التعليقات :
إرسال تعليق