كتب : عماد العذري
التقييم : 5/5
بطولة : بيتي ديفيز , آن باكستر , جورج ساندرز
إخراج
: جوزيف إل. مانكويتس (1950)
فيلم الأوسكار عام 1950 , الذي نال 14 ترشيحاً للجائزة في إنجازٍ لم يحدث أن قاربه فيلمٌ لقرابة نصف قرن , يحكي قصة الممثلة الطموحة البائسة إيف هارينغتون التي تظهر ذات مساءٍ في غرفة تبديل الملابس الخاصة بالممثلة المسرحية القديرة مارغو تشانينغ مثيرةً شفقة تشانينغ و تعاطفها فتتخذها مساعدةً لها , قبل أن ترتقي بدعمٍ من المخرج المسرحي بيل سامسون و زوجته كارن و الناقد المسرحي أديسون دي ويت سلم النجومية و تتمكن من الوصول إلى القمة .
بالرغم من أن هذا الفيلم يمتلك واحدةً من أعنف التحولات الدراماتيكية
على الإطلاق على مستوى البنية الخارجية للشخصية , و هي التحولات التي لا يروقني
عادةً تقديمها بهذه الطريقة , إلا أنني في كل مشاهدة له أتأكد تماماً بأنني أعشق
هذا الفيلم , ربما للسبب ذاته ، مانكويتس في هذا الفيلم عظيم جداً , عندما أتأمل الطريقة التي راهن عليها في
تقديم شخصيته الرئيسية , و حجم الوصولية التي يضخها في شخصيته دفعةً واحدة ليرتقي
بعمله فجأةً إلى عمقه الحقيقي , أقف في حيرةٍ في كل مشاهدة , هذا الفيلم له نصيبٌ
كبيرٌ من إسمه , سبرٌ ذكي في أبعاد (الماكيافيللية) عند المرأة , الفيلم يتخطى بوضوح الصورة
البسيطة و الواضحة للفيلم عن إمرأةٍ ذكيةٍ ترتقي نحو القمة في دنيا الأضواء و
الشهرة , الفيلم يتناول حواء بمباشرةٍ أحياناً , بتوريةٍ أحياناً , لكن بعظمةٍ في كل
الأحيان , حواء موجودةٌ هنا بكل عنفوانها , بصورتها الأزلية القديمة المتجددة ,
التي لا تتغير و لا تتبدل مهما تغيرت الأزمنة و الأمكنة , حواء بأنوثتها , و
إنكسارها , و وفاءها , و غدرها , و غيرتها , و غموضها , و ضعفها , و قوتها , و
بحثها عمن يحبها و يحتويها , مانكويتس (أو مانكفيتش كما يسميه
عشاق الأصول) يضفي على نصه المقتبس عن كتاب The Wisdom of Eve لماري أور صبغة الديمومة , و
يغوص أعمق بكثير من الصورة الظاهرية (المثيرة و الجميلة بحد ذاتها) , محافظاً طوال
ذلك على إيقاعٍ و إن بدى عادياً إلا أنه كان ذكياً إلى درجةٍ تدهشني , خصوصاً
عندما أتأمل الطريقة التي روض بها الإنقلاب العنيف الذي يصيب شخصية إيف التي تخدع
المشاهد تماماً كما خدعت مارغو , و تظهر له بنزعتها الماكيافيللية في
اللحظة ذاتها التي تكشف فيها نفسها لبقية الشخصيات
, مانكويتس محنكٌ فعلاً في تكييفه لهذا النص و في منحه نكهة السخرية المدروسة
التي تجعله لاذعاً و قاسياً و ذكياً في آن , و عندما نشاهد (إيف) جديدة
تقتحم عالم إيف هارينغتون و تتقرب منها في ختام الفيلم , يبدو مانكويتس و كأنما يقتبس روح
العبقريين جويل و إيثان كوين - حتى قبل ولادتهما ببضعة أعوام – في تتويجٍ لطالما أحببته لهذه
الكلاسيكية العظيمة .
و مع ذلك , ما كان لمانكويتس أن يبلغ مرماه لولا ثنائية الأداء الإستثنائية التي تقدمها آن باكستر و الأسطورية بيتي ديفيز في الدورين الرئيسيين للفيلم , الكيفية التي جزأت بها باكستر شخصية إيف إلى شخصيتين بصورةٍ صارخةٍ و فجةٍ و باعثةٍ على الإعجاب و الدهشة , و العظمة التي أضفت بها بيتي ديفيز الأبعاد الميلودرامية (الخفية في النص) على شخصيتها الصاخبة , و المغدورة , و المنكسرة , و الباحثة عن حبٍ حقيقيٍ تتنازل عن كل شيءٍ من أجله .
0 التعليقات :
إرسال تعليق