كتب : خالد إبراهيم
التقييم : 4.5/5
بطولة : نينا بنس رود ، بيندت روث
إخراج : كارل تيودور دراير (1964)
"كل فيلم له روح خاصة به." دراير
لا يدين فقط بالفضل
لأستاذ الأساتذة مخرجون في حجم بريسون ، تاركوفيسكي ، كيشلوفيسكي ، جودار وغيرهم ، ولكن يدين له أيضاً كل مشاهدي السينما وإن كان
بعضهم لم يشاهد أفلامه بعد.
زوّد دراير السينما بأيقونة
لكل عقد خلال خمسة عقود ، خمس تحف إنسانية تتحدى صدأ الزمن وإعادة حسابات الأهمية ،
(The Passion of Joan of Arc 1928) – (Vampyr 1932) – (Day of Wrath 1943) – (Ordet 1955) – (Gertrud 1964).
شعوري ناحية (جرترود) شعور
بين الرهبة والحنين لمجرد تذكر صورة أو عبارة من الفيلم، لكن دائماً يمكن تلخيص الحبكة
في ظل العجز عن وصف الشعور ، (جرترود) مغنية أوبرا سابقة تعيش حياة زوجية غير سعيدة مع محامي
وسياسي أرستقراطي ، تخبر زوجها عن عشيقها – مؤلف موسيقي شاب مغمور – وتطلب الطلاق ،
العشيق يفضح العلاقة ويتفاخر بها أمام الغرباء ، تقابل جرترود حبيبها السابق
لزواجها – شاعر رومانسي شهير – الذي يعرض بندم إحياء الماضي ، ترفض جرترود وتتذكر
كيف تركته حين وجدت أقصوصة كتبَ فيها أبيات عن عمل الرجل وتعارضه مع الحب ، مفهوم جرترود للحب
لا يقبل المساومة ، لا يمكنها تقبُّل وضعه محل اختيار ، لذا تركت الشاعر للمرة
الثانية وكذلك تركت الشاب العابث والزوج الجريح ، تبتعد جرترود لتدرس وتعيش
بمفردها في عزلة عن الرجال الذين لم يبادلوها الحب الذي تتوقعه ، دراير لم
يجعلنا نحب بطلته أو نكرهها ، دراير جعلها أيقونة للحب الغير مشروط الذي يؤمن به.
كعادة الفنان العظيم
يُهمِل دراير القيود الزمنية التي قد تدفع غيره للمواكبة حتى يتم
قبوله داخل العصر ، لكن الفنان العظيم يعمل وفق معاييره الخاصة ومصداقاً لرؤيته
التي – مثل (جرترود) – لا تساوم ، دراير استخدم اللقطات الطويلة كما استخدم اللقطات القريبة لوجوه
قليلة التعبير ، كل كادر جدير بالدراسة ، كل مكون من مكونات الصورة في شكله ودرجة
لونه المُثْلَى ، الحوار تدخل جراحي لابد منه ، تناغم لا يمكن وصفه ، هو فيلم
للتقديس الفني ، فرصة للمخرجين لتوضيح ما يمكن أن يصل إليه الفيلم عند صناعته بهذا
القدر من الكمال ، وفرصة للمشاهدين لخوض تجربة تُمكِّنهم بعدها تمييز الخبيث من
الطيب في السينما.
عندما عُرض (جرترود) في كان قابله
الجمهور بصيحات الاستهجان رغم عدم ترشيحه ، كذلك تم رفضه كمرشح لأوسكار أحسن فيلم
أجنبي ، الصحافة اتهمت دراير بالخرف ، تنتهي المهرجانات وسياساتها ولجان تحكيمها
وصحافتها وحتى جمهورها ويبقى الفن ، ويبقى (جرترود) معجزة
سينمائية فريدة لأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض.
فسلام على الروح
المؤمنة بالحب والمعجزات ، سلام على السبب المهم لوجود بيرجمان ، سلام على
من كانت المرأة المظلومة دائماً ما تؤرقه ، سلام على (دراير).
"جرترود فيلم صنعته بقلبي ،
فيلم صنعه القلب عن القلب ، وهذا ما يثير اهتمامي قبل أي شيء ، وليس تقنية السينما" - دراير
0 التعليقات :
إرسال تعليق