كتب : مصطفى فلاح
التقييم : 4/5
بطولة : ماريون كوتيار ،
واكين فينيكس ، جيريمي رينر
إخراج : جيمس غراي (2013)
الحياة قاسية ، تأقلم معها !
في أفتتاحية فلم جيمس غراي , و هو يغير جلده للمرة الثانية بعد ثلاثية الجريمة
التي حبسته في خانة تحديد النوع السينمائي , نجد الكاميرا تبتعد عن تمثال الحرية
في الوقت الذي يحاول كل (مُهاجر) الأقتراب من أرض الحرية ! ، تلك الصورة التي ما برحت
تذكرني بملامح عرّاب كوبولا الشاب فيتو كورليوني و هو يطالع ذاك النحت الجبار و يرسم لحياته خطة
نجاة فرضتها عليه خلفيته الأيطالية و نشأته النيويوركية كمهاجر غير شرعي , أو
الحقيقة التي أفتتح فيها أيليا كازان رائعته قبل أكثر من نصف القرن : "أنا يوناني الدم ,
تركي المنشأ , و أمريكي فقط لأن خالي قام بالرحلة" ، قبل أن يختتمها
بكذبة (سترافوس) و هو يصطنع تلك الإبتسامة الأناضولية ببضعة قطع نقدية
في الجيب و الإختباء تحت رداء تلك الآلهة الرومانية مُضيئة الشعلة !
ما يفعله المخرج هنا , في أفضل أفلامه حتى اليوم , هو رسم الخطوط
العريضة لأي فلم من هذا النوع ليُفاجئك بتلك الخطوط الرفيعة الأكثر شواباً و أشد
تشابكاً مع أستمرار الحكاية , حكاية (أيفا) البولندية التي تتعرف على دوافعها بسهولة منذ اللحظة
الأولى التي وقعت فيها الكاميرا على وجه ماريون كوتيار و هي تحاكي شقيقتها بقلب يتيم و روح مُحطمة
"أملنا لم يضع بعد !" ، منذ تلك اللحظة , تغرق الكاميرا في
محيط غوغائية الجسد و سواد الروح الذي يحيط ببطلتنا و هي تصارع تلك القروش البشرية
التي تحاول إلتهامها حية .
إنه فيلم شائك يطلب من مشاهديه تأييد أبطاله أصابوا أو أخطأوا و ذلك
بناءاً على خلفيات لا تستدعي الكثير من الإقناع ، الأقناع هنا يأتي من الأداءات
الجيدة لتلك الشخصيات التي حاول الكاتب أستبدال ملاكها بشيطانها و بالعكس , فما
يظهر عليها مناف تماماً لما تفعله و نتائج ما تفعله مُضاد تام لما يُتوقع منها ! ،
رسام الصورة المُبدع دوماً داريوس خُنجي , هو أيضاً , يُعري هذا القُبح في تصميم صورة من
أفضل ما أنجز ، أعتمد غراي فيها على المتاح و الممكن و لم يستنزف ميزانية كبيرة ،
أستغل فيها كل امكانيات المكان الضوئية والصوتية مع ندرة الأولى و تدفق الثانية.
البحث العضال عن الهوية يرسم من معظم التجارب السابقة , كما في واقعية
روسليني , عرقية ميرا نير , و سيريالية يودروسكي الأوتوبيوغرافية , منهاج سبر متواضع هنا يتخذ جميع
الأشكال : السياسي , العرقي , و الديني حتى ، و لكن , على الرغم من كل هذه الفوضى
هناك نتاج إيجابي للحكاية : العودة للأمل الزائف أفضل من اليأس في جميع الأحوال ! ،
و رغم عدم الأستقرار في ديناميكية السرد , فالفلم نفسه يبقى مقبولاً و لا يتراجع
كثيراً عن هذا الحد الأدنى.
0 التعليقات :
إرسال تعليق