كتبت : فاطمة توفيق
التقييم : 5/5
بطولة : ساندرا بولوك ، جورج كلوني
إخراج : ألفونسو كوارون (2013)
وأخيراً شاهدت الفيلم
، بعد الكثير من التأجيل خوفاً من كل تلك الحماسة والإطراء والمديح الذي سمعته عن
الفيلم ، و لاعترافي بيني وبين نفسي أنني لا أحب أفلام السفر في الفضاء وأمور
الخيال العلمي تلك ، إلا أنني أخيراً شاهدته لأجده يفوق كل ما قرأت أو سمعت من
مديح وثناء.
فالفيلم ليس فقط تلك المؤثرات الصوتية والبصرية المستخدمة فيه ، ليس
فقط الكاميرات والاثنتي عشرة دقيقة التي تتوج بدايته ، و إنما هو فيلم عن الحياة ، عن معاناتنا و فشلنا و بحثنا الدائم عن سبيل للحياة
، الفيلم عن سباحة كل منا وحيداً في هذا العالم حتى لو أحاطك الكثيرون ، فأنت تسبح
داخل قناعك / قناعاتك التي تعكس لك
صورة نفسك و ترى من خلالها العالم وتمدك بالحياة ، يفصلك القليل أو الكثير عن
الآخرين ولكنك في النهاية وحيد ، قد ترتبط ببعضهم برباط قوي إلا أن ذلك الرباط
يقربك و يبعدك ، يجذبك و تجذبه أنت حسب الوقت و الظروف ، و يجب عليك أن تتعلم متى
تتمسك بالشيء و متى تترك الأمر لينفلت بعيداً لتقول له وداعاً ، قد يفكر فيك من لا
يراك ، من هو بعيد ، و أنت لا تعلم ، يجاورك العالم و أنت منفصلٌ عنه ، تختلف وجهة
نظرك في الحياة حسب موقفك ، توقيتك ، فما قد يميتك في حين قد يكون مجرد شهب بعيدة
جميلة المنظر تمر سريعاً في حين آخر ، تتحدث دوماً تعبر عن نفسك بحثاً عن من يسمعك
، يفهمك ، ينقذك ، فأنت لا تعرف متى سيدرك صوتك أحدهم ليقدم لك يد المساعدة ،
تستمع لأصوات تأتي من بعيد ، لا يتعمد صاحبها أن يساعدك ، هو فقط يتحدث ، يمارس
حياته ، يبدع بطريقته ، لينقذك أنت على الطرف الآخر من العالم ، أو ربما لو كنت
خارج هذا العالم ، الفيلم بحث مستمر ، كفاح ، ولادة جديدة من بعد ضياع ، الفيلم هو
قصة حياة كل منا ولكن بشكل مكثف ، مركز قوي عن مدى وحدتنا ، عن بحثنا الدائم عن
القليل من الأنس ، التواصل ، الدفء ، والحرية ، عن بحثنا الدائم عن منزل نركن إليه
من بعد تعب.
- ريان ، أين وطنكِ؟
- وطني ؟ هناك على الأرض.
- أين تعيشين ؟
- لايك زوريك ، إلينوي.
- آه ، المنطقة الزمنية المركزية ، سيكون الوقت بالتحديد الثامنة مساءاً ، ما الذي يفعله أهل (لايك زوريك) في تمام الثامنة ؟
- أين تعيشين ؟
- لايك زوريك ، إلينوي.
- آه ، المنطقة الزمنية المركزية ، سيكون الوقت بالتحديد الثامنة مساءاً ، ما الذي يفعله أهل (لايك زوريك) في تمام الثامنة ؟
- لا أعرف.
- ماذا كنتِ لتفعلين الآن ؟ ،
لقد غادرتِ المستشفى للتو بعد نوبة 18 ساعة من العمل وتقودين للمنزل ، بحقك ماذا
كنتِ تفعلين ؟
- المذياع ، أستمع للمذياع.
- ها نحن ، دعيني أخمن ، الإذاعة الوطنية ؟ الكلاسيكيات ؟
"توب فورتي"؟
- أي شيء ، لا أكترث طالما لا يتحدثون ، أنا أقود فحسب."
الحقيقة كثيرين انتقدوا السيناريو لضعفه ، أو لعدم وجود حوار قوي ، و لكنني أجد أنه كافٍ جداً ، ربما انتابه بعض الضعف حينما كانت تتحدث لنفسها في مشهد أو آخر و لكن يكفيني جداً الحوار الذي اقتبسته في الأعلى مع الظروف المحيطة به مما جعله احد أكثر لحظات الفيلم عذوبة ، حديثها عن ابنتها ، استماعها لأنجيك وهو يهدهد طفله ويلعب مع كلابه ، تداخل موجات الراديو حينما اقتربت من الأرض ، أجد ذلك كافٍ جداً وقلة جمل الحوار زادت ما يحدث قوة ورونقاً.
طبعاً ، من الصعب جداً تخيل استيعاب كل ذلك بدون ذلك الجهد الجبار المبذول على إخراج الفيلم ، صورته بتفاصيلها المبهرة والتي ذكرتني كثيراً بأوديسا الفضاء لكوبريك ، أحمر الخطر الذي شاهدته هناك مع كوبريك عند فصل هال وأحمر الخطر الذي شاهدته هنا على انعكاس د.ستون حينما انفصلت عن المركبة ، انعكاس الأرض العالم على قناعي (ستون) و (مات) و مدى وحدة كل منهما بعيداً عن ذلك، دقة التفاصيل وخاصة فيما يتعلق بالصوت، كل ذلك لم يجعل من الفيلم مجرد فيلم يدور في الفضاء عن أفراد ضاعوا فيه.
الفيلم هو أجمل ما شاهدت من 2013 حتى الآن ، أكثرهم قوة وحرفية واكتمالاً ، و أنا ممتنة جداً لألفونسو كوارون لكفاحه و لصناعته لمثل هذا الفيلم .
0 التعليقات :
إرسال تعليق