التقييم :
4.5/5
بطولة :
هيرويوكي سانادا ، نينجي كوباياشي ، ميتسورو نوكيكوتشي
إخراج :
يوجي يامادا (2002)
اقترن اسم يوجي يامادا على مدى أربعة عقود بـ Tora-san السلسلة السينمائية التي استمرت منذ أواخر الستينيات وحتى منتصف التسعينيات وتضمنت 48 عملاً سينمائياً أخرج يامادا 46 منها. محور الأفلام هي شخصية تورا سان التي تعاني في كل مرة من سوء الحظ الذي يعاندها كلما قررت الوقوع في الحب ! حققت السلسلة نجاحاً مهماً في اليابان ولم تتخطاه إلى خارجها وصارت جزءاً من التراث السينمائي الياباني. وقع يوجي يامادا أسيراً لهذه السلسلة ولم يتحرر منها ، وعندما قرر مطلع الألفية تحقيق ثلاثيةٍ سينمائيةٍ عن الساموراي ، كان يعلم جيداً معنى أن تكون أسيراً لواقعك !
في فيلمه هذا الذي نافس على دب برلين الذهبي واكتسح جوائز الأكاديمية السينمائية اليابانية ومنح اليابان أول ترشيحٍ لأوسكار أفضل فيلم أجنبي عام منذ 22 عاماً يقدم لنا يامادا بطله سيبي إيغوتشي ، سليل الساموراي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والذي يمارس عملاً مكتبياً ويدير بعض الأمور المالية للعائلة ويهتم بحسابات القلعة ومواردها. نراه هناك يرعى والدته العجوز وابنتيه بعد رحيل زوجته. يعاني روتين العمل ، وقلة الدخل ، وعاطفةً لا يملك لها ردعاً مع عودة صديقة الطفولة للظهور مجدداً في حياته ، وبالتأكيد ، الحياة التي لا يدوم لها حال !
يُنجز يامادا في هذا الفيلم أقرب و أصدق صورةٍ لعالم الساموراي شاهدتها على الإطلاق ! يصوّر هذا الفيلم الساموراي كطبقةٍ إجتماعية ، لها عائلاتها وأنسابها ، وعلاقاتها الإجتماعية ، وأعمالها اليومية ، وبالتأكيد مدارس القتال التي تنتمي إليها. يحرر النص عالم الساموراي من القيد الذي وضعتها فيه السينما اليابانية لعقود مع بعض الإستثناءات الخجولة. الساموراي هنا إنسانٌ مسالم ، إجتماعي ، له يومياته وخططه وطموحاته. له أصدقاء طفولة ، وعائلةٌ ينتمي إليها ، ولديه أبناء وزوجةٌ و أم ! لديه عملٌ يومي ومحصولٌ لا يكفيه ، والقتال ليس خياره الأول بل هو وضعٌ إجتماعيٌ يجب عليه أن يتماشى معه كلما اضطر للقيام بذلك .
في العمق يتناول العمل التوازن الذي يحكم الإنسان بين (المادي) و (الروحي) في حياته اليومية. إبنة سيبي لا تعرف أين تسير في تعليمها : هل بإتجاه دروس كونفوشيوس (الروحية) ، أم بإتجاه دروس الخياطة (المادية). سيبي ذاته يُعاب على عدم إهتمامه بـ (نظافته الشخصية) عند زيارة كبير العائلة لتفقد العمل بالرغم من (دقته الشديدة ومثابرته الواضحة في عمله). صديقة طفولته السيدة توموي تتخلى عن زواجها (المادي) وتبدأ بالبحث عن (روحها) من خلال إحياء علاقتها به. حتى وهو يقرر التدخل في المبارزة مع زوجها السابق يختار العصا الخشبية عوضاً عن السيف. النصر (الروحي) هو ما يهمه وليس القتل (المادي). وعندما يعرض عليه خاله الزواج ثانيةً ، لا يعنيه الزواج (المادي) الذي يراه خاله : "الحاجة المادية لزوجةٍ صحيحة الجسم بأفخاذٍ كبيرةٍ لحمل الأطفال" ، بالنسبة له يبقى الجزء الروحي (في مشاهدة بناته يكبرن يوماً بعد آخر) أهم وأغنى. وعندما يقرر خوض المواجهة الأخيرة من أجل العشيرة لا يكون منبع تردده الجزء (المادي) من الموضوع كما يخبرهم عن تدريبه ، خصوصاً وأنه خرج للتو منتصراً من قتالٍ بسيفٍ خشبي. مشكلته (روحية). أن المسألة "تتطلب ضراوة وهدوء السباع ، وليس بي شيءٌ من هذا الآن"! روحه ابتعدت كثيراً عن الحاجة لقتال أحد ، عن ضراوة الصراع مع أحد. بقي فقط منتسباً بشكله (المادي) إلى واقعه ، أسيراً لحقيقة أنه ينتمي إلى هذه الطبقة الإجتماعية ، عالقاً (روحياً) في مكانٍ ما خارج هذا العالم. يعيب عليه زملاؤه في العمل عدم مشاركتهم الشراب ، يعيبون رائحته واهتمامه بنظافته ، يعيب عليه خاله رفضه للزواج ، كل ذلك لأنه لا ينتمي إلى (عالمهم) ، ثم يهللون له ، ويمتدحونه ، ويلجأون إليه عندما يجدون فيه ما ينتمي إلى عالمهم : الولاء العشائري ، و ضراوة السباع التي يستدعيها الساموراي من حينٍ لآخر !
بصرياً هي الصورة الأجمل والأكثر (أناقةً) لعالم الساموراي منذ رائعة ماساكي كوباياشي Harakiri . ربما لأن النص في الأساس يُحضر بشكلٍ جيدٍ لهذا العالم وكيف يُمكن تقديمه بصرياً. النص في الوقت الذي يقربنا فيه من الساموراي ويجعله شيئاً أليفاً لنا ، لا يتجاهل الخلفية الثقافية لوجودهم ، العشائر ، والقلاع ، والأتباع ، والموارد المادية ، والتنظيم ، والطقوس ، وقيمة الولاء في ذلك العالم. وفي الوقت ذاته، لا يصوّر القوة كمرتكزٍ لوجودهم وهذا بالغ الأثر والقيمة. ولذلك لا نراها إلا بمقدار ما يحتاجها الحدث. عوضاً عنها تغمرنا حميمية وتشكيلية الصورة من خلال تفاصيل أخرى : المنازل ، والطقوس ، واليوميات ، الناس في أعمالهم ، والطلاب في مدارسهم ، ومناظر طبيعةٌ لافتة تؤطر ذلك .
يوجو الذي يقاتله سيبي في الختام هو رجلٌ كان أسيراً لواقعه لفترةٍ طويلةٍ من الزمن. كان محكوماً بالولاء للعشيرة ، يعمل ويكد من أجل حياةٍ كريمةٍ دون أن يتناسى أنه ساموراي ، وأن لهذا الساموراي عشيرةٌ يجب أن يمتثل لما تراه. هناك يلتقي مع سيبي الرهين لحياته وواقعه أيضاً ، وهنا بالذات تبدو حميمية فكرة أن يصنع هذا العمل رجلٌ كان رهيناً لصورةٍ واحدةٍ ارتبطت به على مدار أربعين عاماً ! طوال تلك السنوات كان يوجي يامادا هو مخرج سلسلة Tora-san ، بعد هذا الفيلم صار يوجي يامادا مخرجاً لـ The Twilight Samurai .
0 التعليقات :
إرسال تعليق