كتب
:
فراس محمد
التقييم : 4/5
بطولة : نانتارات ساواديكول ، سوفون بوكانوك
إخراج : أبيشاتبونغ ويراسيتاكول (2006)
الرجل الاكثر قدرة على
تجسيد الاحلام حاليا في السينما يستطيع ان يجعل الحلم بوابة لأي زمن , ولأي غرض , و
يستطيع أن يمد هذا العبور الزمني أو المكاني أو الفكري بأي إحساس يرغب في شحنه , كانت
في العم
بونمي على شكل رغبة في التخلص من الندم , كانت في الداء الاستوائي رغبة في الاستكشاف والبحث عن البدائية , و لكن في أكثر أفلامه قربا من
المُشاهد برأيي كان يشحنها بالحنين , يبدو و كأن الفلم لم ينتقل فقط زمنياً , بل حمل
معه كل مشاعر و أفكار و مناخ و رومانسية و واقعية الفترة التي صورها من خلال تقديمه
لشخصيتي (طبيب و طبيبة) في فترتين زمنيتين (يبدو) أنهما متباعدتين , هذا
الامر تتكفل الكاميرا بإيضاحه , كما تتكفل بترك المُشاهد منبهراً و منوماً بالفلم طيلة
مدته.
عكل حال المخرج التايلندي ابيكاتوبونغ ويرسيثكال هو افضل منوم مغناطيسي
سينمائي من الممكن ان ينصح به , الرجل يستطيع ان يترك لفلمه خشوعاً و صمتاً في المشاهد
, يستطيع أن يعبث بلا وعيه من خلال طريقته في تحريك الكاميرا , و من خلال تركيزه على
الألوان الطبيعية , و أيضاً من خلال الخلفية الصوتية التي عادة ترتكز على أصوات الطبيعة
أو الحشرات أو المياه , وعندما يستعمل الموسيقى التصويرية تبدو وكأنها خارجةٌ من حلم
.
الحنين الذي يتكلم عنه
هذا المخرج (الذي سأتفادى تكرار اسمه لطوله) يبدو و كأنه حنينه الخاص , هناك انتقالات
زمنية في الفلم ما بين ذاكرة المخرج , و ذاكرة شخصياته , من مشهد الافتتاح يبدو أن
هناك براءة و متعة في الحديث الدائر , في تعبئة استبيان لالتحاق طبيب جديد بالمشفى
, هناك رغبة في التعرف عليه , المخرج يقدم لنا هذا المشهد بكل ما يملك من رغبة في إظهار
براءته و عفويته , و له في ذلك اسبابه , فهو يقص القصة نفسها مرتين في زمنين مختلفين
, ويقدم ما حدث بينهما من تعديلات انسانية وثقافية وفكرية وعمرانية ليس في تايلند فحسب , بل في أي مكان قابل للتطور أو التغير .
المشفى يُعالج رجال الدين
الهندوس , يصور المخرج عدة جلسات حوار بين رجال الدين والأطباء , أحد الأطباء يحب الغناء
, رجل الدين يحب أن يكون دي جيه , الحوار أيضاً يستمر بنفس العفوية والتلقائية , أحد
رجال الدين يعاني من أحلام مزعجة سببها قيامه بكسر أقدام الدجاج في صغره , حتى لزهرة
الأوركيد في الفلم معيارٌ حضاري
و له اسقاط مستقبلي .
في الجزء الثاني من الفلم
(قد يكون الحاضر) , المقابلة تتخذ شكلا آخر , زهرة الأوركيد تتخذ شكلا آخر , نبرة الصوت وحركة الكاميرا تتخذان شكلاً آخر , كل شيء
يبدو أنه تعرض لعملية تطوير ممنهجة أفقدته الروح ، أفقدته البراءة التي صورها بداية
الفلم , وهذا المخرج باعتباره ومن خلال أفلامه يصور مدى حاجة الانسان للطبيعة , ومقدار
الروحية التي تملكها باعتبارها طبيعةً أم ، المكان الذي تتجمع فيها الارواح والمكان
الذي يشع منه السلام والدفء , يجد في مستقبل حالته هنا حالة تشاؤمية , اللون الاخضر
بداية الفلم تحول للون الاسمنتي , لم يعد رجل الدين مهتماً بطبيبه , كل شيء آلي , حتى
مركز معالجة مصابي الحرب يبدو وكأنه ورشة ميكانيكية أكثر منها غرفة في مشفى , الأطباء
بدأوا يمارسون الحيل , البعض منهم يأتي للمشفى لشرب الكحول , و أصنام في كل مكان كانت
في زمن غابر أزهار اوركيد , انه فلم كما وصفه مخرجه بأنه فلم عن القلب , عن الجزء الحي الذي يموت
فيه , الفلم يقدم نوستالجيا فيها حزن على كل شيء , وقيام مخرجه بالتركيز على صفات زمنين
بهذا الشكل يوحي بذلك .
أفضل افلام هذا المخرج
, المخرج التايلندي الذي يرتبط اسمه بصنف الأرت هاوس , هنا كان أكثر شجوناً وعاطفة من أي فلم آخر له وهو يتحدث عن مكنونات الذاكرة
, وهو يتحدث عن غبار الذاكرة الذي يجد طريقة للاختفاء , هي المتلازمة التي تحدث عنها
, أو القرن الجديد وملامحه المستقبلية .
0 التعليقات :
إرسال تعليق