كتب : عماد العذري
التقييم : 4/5
بطولة : غريغ كنير ، توني كوليت ، ستيف كاريل
إخراج : فاليري فارس ، جوناثان دايتن (2006)
واحدة من أجمل متع
السينما أنها تجود علينا من حينٍ لآخر بأفلامٍ من نوعية السهل الممتنع ، الحكاية
المرحة البسيطة التي تسند معها رأسك إلى الخلف و تقضي معها ساعتين من المتعة
اللذيذة التي لا تستخف بك ، تثير اعجاب النقاد ، و تتنقل من محفلٍ جوائزيٍ إلى آخر
، و تحوز رضا الشريحة الأكبر من المشاهدين ، من مُنظّر السينما إلى مُشاهد البوب
كورن العادي ، هذا الفيلم واحدٌ منها .
باكورة أعمال
المخرجين الزوجين فاليري فارس و جوناثان دايتن قصة كوميدية بسيطة عن الرابحين و
الخاسرين , رحلة عبر الولايات المتحدة لعائلة أمريكية تقليدية من أجل إيصال إبنتهم
الصغيرة أوليف
للمشاركة في حفل ملكة جمال الصغار التي تقام سنوياً في الساحل الغربي , أبٌ محاضرٌ
في فن النجاح رغم كونه يقف على حدوده و لا يصيبه بسبب وعود كاذبة من محرر كتابه
المقبل , زوجة متذمرة من فشل زوجها في تطوير مسيرته المهنية , خالٌ شاذ خرج من
تجربة إنتحار فاشلة بعدما كاد أن يصبح أحد نوابغ الولايات المتحدة لولا ذهاب منحته
الحكومية إلى خصمه اللدود , إبنٌ مراهق متأثرٌ بنيتشه أقسم على الصمت حتى
يصبح مقاتلاً في سلاح الجو الأمريكي ، جدٌ هيرويني قاتل في الحرب العالمية الثانية
، و إبنةٌ صغيرةٌ سمينةٌ تشغل النظارات نصف مساحة وجهها !
في العمق يقفز العمل
بمرونة على البعد التوجيهي لحكايته عن (الرابح و الخاسر) و (شرف المحاولة) و (المكسب الكامن
في أن نقوم بالأمور على الطريقة التي نحب) ، سيناريو مايكل آرنت الرائع -
الذي قال في خطاب فوزه بالأوسكار أنه استلهم الحكاية من رحلة قام بها مع عائلته - يدمج
هنا شخصيات
الفيلم الست وفق عملية (فوكسة) تجعل الوصول إلى الحفل محوراً رئيسياً للفيلم ،
و تمنح كل الأحداث التي تدور حول ذلك المحور الدفع المطلوب لإغناء العمل ، أحداث
في هذا السيناريو من قبيل شذوذ الخال ، إدمان الجد ، عمى الألوان لدى الإبن
، فشل
مساعي الأب بشأن كتابه هي أحداثٌ لا تشكل محورية الفيلم لكنها تدور في
فضائه ، ببساطة (هذه عائلة أمريكية كانت تعيش قبل تصويرنا للفيلم ، وستظل تعيش بعد تصويرنا
للفيلم ، هم الآن على وشك السفر لإيصال إبنتهم إلى حفل ملكة الجمال ، مارأيكم لو
نأخذ الكاميرا و نتتبع رحلتهم تلك ؟!!) ، السيناريو يسير وفقاً لذلك بتجردٍ
تام و لا يهز محور الحدث إطلاقاً بل يغنيه بالتفاصيل ، ستشاهد عمى الألوان وتعتبره
فائضاً لكنه مهم بالنسبة لهم فنحن لم نعايش صمت الفتى سوى لفترة بسيطة ، سنشاهد
شذوذ الخال و نعتبره فائضاً لكننا لم نعش معهم اللحظات التي حاول الإنتحار فيها ،
حتى أنهم في الختام لا يحققون مبتغاهم كما يحدث في أي سيناريو تقليدي ، نحن فقط
ضيوفهم في هذه الأيام الثلاثة ، نتأمل ما يحدث في ثلاثة أيام من حياتهم يحاولون
فيها القيام بشيء ما تجاه إبنتهم ، أشياء تحدث في الحياة اليومية و لا يوجد مانع
من ألا تحدث معهم فلم لا تحدث ؟!! ، مايكل آرنت
ذكرني في هذا السيناريو بروح الكوينز الكتابية دون مراوغةٍ حسٍ من الخفة
الطفيفة تعيقه – بالرغم من جماله و متعته - عن أن يكون عظيماً و كلاسيكياً .
بالمقابل يرتكز عمل
الزوجين فارس
و دايتن
الإخراجي في ثقله أولاً على الإيقاع المضبوط جداً للحكاية و الذي يحافظ بتوازنٍ يستحق
التقدير على مضمون الحكاية الدرامي – عن رحلة العائلة – محورياً في الوقت الذي
يستغل فيه هوامش الشخصيات لمنح ذلك المحور مذاقاً كوميدياً لذيذاً يجعلنا نستمتع
فعلاً و نحن نراقبهم على طول الخط ، و
يرتكز في ثقله ثانياً على توليفة أداءاتٍ رائعةٍ للغاية تغني العمل ككل و تقفز به
على الصورة النمطية للأفلام الكوميدية القائمة على (قيمة الضحكة) أكثر من اعتمادها
على (نوعية
الأداء الذي يرسم تلك الضحكة) ، شخصية الجد على سبيل المثال شخصيةٌ حقيقيةٌ
جداً موجودة بكثرة من حولنا و نقابلها بشكل متكرر (العجوز البذيء الذي ما زال
يمتلك بقايا الصبا ، و يريد أن يعيش حياته كما يحلو له) لكن ألان آركن
– الذي ينال هنا جائزة أوسكار – يجعل من الكاراكتر وثيق الصلة به و سهل التذكر و
كأنما صنع لأجله ، في الوقت ذاته – و لا أقل منه - يأتي أداءٌ ممتاز من غريغ كنير
و توني
كوليت و ستيف كاريل ، متمكنٌ تماماً من بول دانو ، و إستثنائيٌ و حقيقيٌ
للغاية من أبيغيل بريسلين ، الإثارة التي تكسو ملامح وجهها وهي ترد على مجاملة
جدها You’re just saying that ! هي أفضل رد فعل
تمثيلي من طفل أشاهده في حياتي .
0 التعليقات :
إرسال تعليق