التقييم :
5/5
بطولة : تيموثي
سبال ، بريندا بليثين ، فيليس لوغان
إخراج :
مايك لي (1996)
لم يكن مستغرباً أن
يفتتح مايك لى فيلمه بجنازة و يختمه بحفل عيد ميلاد ، فما بين الرحيل و الميلاد و
الحزن و السعادة ترسم الحياة تفاصيلها و يخفى الناس أسرارهم و يستمروا في أكاذبيهم
و لكن لابد في النهاية من المصالحة .
هذا سيناريو عظيم ؛ إحساس تأكد لي من الانسيابية المذهلة في تتابع المشاهد و سردها ، من الشعور العام بالبساطة و الحيوية التي تتعايش بها الشخصيات ، من الحنية المذهلة التي يتعامل بها مايك لي مع شخصيات فيلمه ، فهو لا يقسو عليهم ، و لا يأخذ موقفاً ما من أكاذبيهم و أسرارهم المشينة ، بل بالعكس يمنحهم طوال الطريق ما يبحثون عنه أو ما يفتقدوه ، فى التجمع العائلي لعيد ميلاد روكسان و بعد المكاشفة العظيمة التي حدثت فيه تبكى جين ، مساعدة موريس ، و تتمنى أن لو كان لديها أب مثل موريس , جين شخصية ثانوية جداً في السيناريو ، لا يتعدى ظهورها أربعة مشاهد و لكن مايك لي لا ينساها فهي موجودة و تعانى من ألمٍ ما فلما لا يواسيها و يطيب بخاطرها ؟! ، فى نفس الوقت نعرف من المكاشفة التي حدثت أن زوجة موريس غير قادرة على الإنجاب و بالتالي لن يحظى موريس بابن أو ابنة أبداً ، فهل كان مايك لي يمنح موريس ما يريد ؟
جزء من عظمة السيناريو أنه أولاً سيناريو معظمه ارتجالي ، من المذهل أن نعرف أن بريندا بليثين لم تكن تعرف أن شخصية هورتينيس هي إمرأة سمراء بالأساس فبالتالي كان رد فعلها عندما تقابلتا الشخصيتان في الفيلم لأول مرة تلقائياً جداً ، هكذا يسير الفيلم ، الممثلون يعرفون خطوطاً عامة عن شخصياتهم و يمنحهم النص المساحة للمعايشة و التفهم الكامل لانفعالات الشخصيات و بالتالي منح المتفرج أيضاً تلك المساحة ، ثانياً الوتر الحساس الذي رسمت به جميع الشخصيات بين قوة طرد تدفعهم بعيداً و قوة جذب تسحبهم ثانية إلى ما هم فيه ، فسينثيا التي تشعر بعدم تواصل و فتور فى علاقتها مع ابنتها الصغرى و تُصاب بالرعب من اتصال ابنتها التي تخلت عنها منذ و لادتها و لكن عاطفة الأمومة أو الحاجة إلى تواصل إنساني يجذبها لا إرادياً إلى التواصل مع تلك الابنة التي لم ترها حتى وقت ولادتها ، هورتينيس بين حاجة إلى جو عائلي تفتقده بشدة بعد موت أمها البديلة و بين عتاب و لوم و أسئلة كثيرة تحملها لسينثيا ، موريس بين فراغ يملأ حياته بالفتور رغم كم الابتسامات التي يرسمها على وجوه زبائنه و بين افتقاده الشديد لروكسان التي طالما اعتبرها ابنته و بين أسرار تقتل علاقته بزوجته ؛ جمل الحوار و تتابع الأحداث تتشبع تماماً بهذا الإحساس بين الجذب و الطرد مانحة الشخصيات القدر الكافي من الحياة ما يجعل المشاهد فى تواصل مستمر مع كل انكسارة أو لحظة سعادة يمرون بها ، ثالثاً كما ذكرت من قبل الحنية التي يتعامل بها مع الشخصيات ، و المصالحة العظيمة التي قدمها لكل الشخصيات في نهاية فيلمه ، ففي لحظة انفعالية شديدة يقوم موريس بإلقاء مونولوج يكشف فيه أسراراً كثيرة و يتسائل عن السبب الذى يجعلهم يعيشون مع كل تلك الأسرار و الأكاذيب ، هنا ستتدخل أنت و تتمنى تلك المصالحة التي حدثت في النهاية .
على كرسي الإخراج لم يفعل مايك لي الكثير و مع ذلك فقد قدم أحد أعظم الإنجازات الإخراجية في التسعينات ، مايك لي هنا يتفهم جيداً القوة التي يتمتع بها السيناريو في التواصل مع المشاهد لذلك لم يتدخل كثيراً ، كان فقط يتدخل لإضافة مقطع موسيقى فى نهاية مشهد أو أن يمزج الموسيقى مع كلوز اب يفعله على وجه أحد ممثليه ، يتدخل فقط لضبط إيقاع مشهد حوارى بين شخصيتين بالقطع المتبادل بين كل شخصية و هي تُلقى بجمل حوارها و نادراً ما كان يقطع لالتقاط رد فعل شخصية على كلام الشخصية الأخرى ، يتدخل مثلاً ليجعل المقابلة بين سينثيا و هورتينيس في أول مرة بعدما تقابلتا أمام محطة المترو لقطة متوسطة الحجم طويلة الزمن بدون قطع لكلتا الشخصيتين و الحوار فقط ينساب بينهما و تلتقط أنت كلا الفعلين و كلا رد الفعلين من الشخصيتين ، أسلوب مايك لي الإخراجي البسيط هنا منح أولاً السيناريو الفرصة لكى يعبر عن قوته ، و ثانياً منح طاقم الممثلين جميعاً الفرصة للانسجام سوياً و فرصة أهم للانسجام مع طبيعة السيناريو العفوية فخرجوا بأداءات من الطراز الرفيع ، أداءات من ذلك النوع الذى يدخل القلب سريعاً و يبقى فيه طويلاً ، و ثالثاً منحنى كمتفرج فرصة نادرة لرؤية جانب من الحياة لا نعيشه كثيراً و لا تذهب إليه السينما كثيراً أيضاً .
أحب مايك لي شخصياته و منحهم جميعاً فرص ثانية للتأقلم مع حياة جديدة و أنا كمتفرج أحببت تلك الشخصيات و تمنيت من كل قلبي ما منحه لهم المخرج في النهاية .
0 التعليقات :
إرسال تعليق