كتبت : فاطمة توفيق
التقييم : 4/5
بطولة : كريس باركر ، ليلى غاستيل ، جون لوري
إخراج : جيم جارمش (1980)
أن تصنع فيلماً يحكي
عن شخص يتجول في الشوارع بدون هدف وتجد أن الفيلم ممتع غير ممل، فهذه هي قدرة
العبقري جيم
جارموش .
الفيلم هو الأول له ، كتابةً و إخراجاً ، و تتضح فيه جداً نظرته لأمريكا ، للمجتمع الأمريكي ، و التي سنراها في أفلامه كثيراً فيما بعد ، فهو لا يهتم كثيراً بالنظرة الإعلامية المصدّرة دوماً عن أمريكا و شوارعها الرئيسية و أبطالها الخارقين و ناطحات سحابها ، و إنما يحاول إظهارها من هناك ، من الأزقة الخلفية ، حيث تظهر طبيعة هذا المجتمع على حق حينما يسقط عنه كل شيء ، حينما يختفي المال و الشهرة و الصحافة ، تجد أمريكا عبارة عن أشخاص وحيدين ، متعبين ، مختلين عقلياً ، يسكنون بنايات مهدمة و شوارع متسخة و سيارات مسروقة.
في بداية الفيلم و مع ظهور اسمه و العاملين فيه ، يوجه جارموش
كاميرته للتايم
سكوير و الوول ستريت و أولئك الأشخاص المتعجلون دوماً ، يمشون بسرعة في شوارع
مزدحمة و لا يلتفتون لشيء ، ثم يختفي كل هذا و تتجول الكاميرا في شوراع خلفية
فارغة من البشر ، متسخة جدرانها و تتطاير فيها القمامة ، يتجول فيها (ألي / كريس
باركر) متسكعا غير مهتم بشيء ، يكتب على الحوائط اسمه ربما ليخبر العالم
بأنه كان هنا ، مسيطراً على عالمه الخاص به ، (ألي) مراهق لم يعد يريد الانتظام
في شيء أو الارتباط بشيء ما ، تركه أبوه مع أمه صغيراً ، و أمه الآن مريضة نفسياً
تسكن أحدى المصحات ، يعيش ألي مؤقتاً مع صديقاته اللاتي سرعان ما ينفصل عنهن ،
ليبيت باقي أيامه في الشوارع ، يكسب المال من سرقة الأشياء و بيعها ، ترك مقاعد
الدراسة لأنه لم يجد فيها شيئاً مفيداً ، هو يرى البشر يشغلون أنفسهم بتحقيق
طموحات و أحلام لـ (تلهيهم) على حد قوله ، ليدعك جارموش تفكر عمّ تلهيهم بالضبط
و لماذا؟ ، هو كافر بالقوانين التي وضعها البشر و باهتماماتهم و يراهم جميعهم
وحيدين كيفما كانت حياتهم ، ربما الشيء الوحيد الذي يهتم به ألي و يجذبه
هو الموسيقى ، نرى جون لوري عازف الجاز في الفيلم أكثر من مرة - هو صديق لجارموش
و مؤلف الموسيقى التصويرية في الفيلم كما سيعمل مع جارموش في العديد من أفلامه
فيما بعد - يتتبعه ألي و يقف ليستمع إليه.
ينتهي الفيلم و ستلاحظ أننا لم نشاهد ألي و لا مرة يمشي في أي من أحياء نيويورك المشهورة بجمالها أو أناقتها ، لم نشاهده و لو لمرة مع أي من ملامحها الثقافية المعروفة ، نشاهد فقط تمثال الحرية و برجي مركز التجارة العالمي و باقي ناطحات سحاب و معالم نيويورك يوليها ألي ظهره في سبيله للبحث عن حياة أخرى في مكان آخر.
يقول جارموش على لسان ألي في نهاية الفيلم أن هذه ليست نهاية القصة ، ولم يكن ما حكاه في بداية الفيلم بدايتها ، و إنما هي كلها نقاط متصلة ببعضها لتقودنا لأماكن و أشخاص و حيوات لا نعلمها كلها ، وفي ذلك ، خير تعبير عن جيم جارموش ذي الروح القلقة المتغيرة المختلفة دوماً.
0 التعليقات :
إرسال تعليق