كتب : أحمد أبو السعود
التقييم :
4/5
بطولة :
إيميلي دوكان ، فابريتسيو رونجوني ، أوليفييه غورميه
إخراج :
جان بيير داردين ، لوك داردين (1999)
تدور أحداث الفيلم حول "جوزيتا" ، كلمة تدور هنا ليس المقصود منها تحدث أو تقع ، المعنى الحرفي هو ما نقصده ، دائرة تظل تدور فيها جوزيتا و ما أن تنفك أحد صواميلها فتبدأ الأحداث في الانفراط أمامنا على الشاشة .
مذهل هو المشهد الافتتاحي ، فهو أولاً يُعرفنا بسرعة و بإيجاز بجوزيتا ، تلك الشابة الصغيرة التي تفعل كل ما هو ممكن و غير ممكن للحفاظ على عالم يفرض نفسه عليها ، فارضاً حصاراً مُقبضاً على شكل حياتها ، ثانياً يوضح لنا الإستماتة الغريبة التي تتمتع بها جوزيتا للحفاظ على ذلك العالم من الانهيار ، فها هي تفتعل مشكلة و شجاراً في المصنع التي طُردت منه للتو بحجة الحفاظ على تلك الوظيفة و هي تعلم يقيناً أن لا رجعة إلى ما تتمناه و لكنها الغريزة التي تبقيها دائماً متحفزة ، ثالثاً قدم لنا كمشاهدين مدخلاً مناسباً لتخيل ذلك العالم الذي تعيشه و الذي تبدأ تفاصيله في الظهور بعد المشهد الافتتاحي من السياج الذي تعبر منه إلى المخيم الذي تعيش فيه إلى الأم التي لا تفعل شيئاً سوى شرب الخمر و ممارسة الجنس ، و في لقطة بليغة تستعجب جوزيتا من زراعة أمها لنبات بجوار الحافلة التي يعيشون فيها متسائلة بشيء من الاستنكار عن السبب فلن يطول بقاءهما هنا على أية حال ؛ رغبة جوزيتا في الانعتاق و التحرر من هذا العالم تظل طوال الفيلم ليس لها أي تأثير يُذكر ، هي فقط رغبة طبيعية كرد فعل لما تعيشه ، مجرد رد فعل يزول سريعاً ، ففي المشهد الذي هربت أمها منها تجري هي وراءها لإرجاعها إلى العالم الذي قالت لتوها أنها لن تطيل البقاء فيه و كرد فعل قاسي تدفعها أمها إلى بحيرة مليئة بالطين تكاد جوزيتا تغرق فيه و لا تستجيب أمها لاستغاثتها ، لا يتعمد الفيلم إطلاقاً التركيز أو المبالغة في تصوير المأساة التي تعيشها جوزيتا ، فأنت في النهاية لن تستطيع لومها على سرقتها لوظيفة أحدهم و لن تستطيع التعاطف معها أيضاً .
بصرياً يكاد الفيلم يتقشف تماماً في إضافة أي جماليات للصورة ، الواقعية تُطاردك في
كل جوانب الفيلم حتى اللون الأحمر المتكرر بكثرة طوال الأحداث فلا يفعل شيئاً سوى
إضافة المزيد التقشف البصري الذي يتبناه الفيلم ، فهو لا يحاول أن يستدعي انتباهي
أو مشاعري لاتجاه معين ، هو فقط ينقلني هناك مع جوزيتا ، لذلك تتكرر الكثير
من المواقف و التفاصيل البصرية فلا شيء جديد يحدث في الأفق سوى محاولاتها
المستميتة للبقاء محافظة على عالم تعلم هي تماماً أنه بدأ في الانهيار ، و
الكاميرا تقترب طيلة الفيلم من وجه جوزيتا و لا تكاد تفارقه ،
فكل فعل و رد فعل نراه على وجهها هي ؛ هي العالم الذي أصبحت تدور فيه بلا هدف ، و
هي الانهيار الذي بدأ يحدث في هذا العالم البائس ، هذا الأسلوب منح الفرصة للبطلة
لكي تنسجم معها الكاميرا طيلة الوقت فخرجت بأداء عفوي صادق نادر التكرار .
في لقطة النهاية الطويلة يختزل المخرجان ما تعايشنا معه طيلة حوالى الساعة و نصف ، لقطة متصلة تٌسلم في نهايتها جوزيتا بحتمية ذلك الانهيار الذي بدأ في تلك اللحظة التي ثارت فيها في المشهد الافتتاحي فتنهار باكية على الأرض .
في لقطة النهاية الطويلة يختزل المخرجان ما تعايشنا معه طيلة حوالى الساعة و نصف ، لقطة متصلة تٌسلم في نهايتها جوزيتا بحتمية ذلك الانهيار الذي بدأ في تلك اللحظة التي ثارت فيها في المشهد الافتتاحي فتنهار باكية على الأرض .
0 التعليقات :
إرسال تعليق