كتب : فراس محمد
التقييم
: 5/5
بطولة : طارق آكان ، شريف سيزر
إخراج
: يلماظ غونيه (1982)
عند مشاهدة هذا الفلم سنفهم ما الذي عناه المخرج التركي الكبير نوري بيغلي
جيلان و هو يستلم جائزة لجنة التحكيم عن فلمه – Uzak – و هو يشكر لجنة التحكيم على منحها السعفة
الذهبية ليلماظ غونيه قبل 21 سنة , و أنه لم يستطع
للأسف العودة بعدها لبلده حاملا هذه الجائزة ,
حيث قال : الآن أفهم كم هو أمر صعب أن يحدث ذلك .
صنع يلماظ غونيه فلمه العظيم هذا من خلف اسوار السجن , قام بكتابة السيناريو , و إخراج الفلم , قبل أن يتمكن من الهرب عام 1981 و عرض فلمه هذا
في كان لينال عنه السعفة الذهبية , غونيه مات بعد هذا الفلم
بعامين , و لم يتمكن من العودة لبلده .
يتحدث هذا الفلم , عن عدة مساجين , لسجنٍ في منطقة نائية من تركيا , يمنح مساجينه بين كل فترة و أخرى إجازةً للخروج من السجن لمدة اسبوع واحد عليه العودة من بعدها للسجن , بعض هؤلاء لم يرى قريته وعائلته منذ سنين , بعضهم وجدها فرصة كي يباشر بحياةٍ فقدها في السجن و إن كان لأسبوعٍ واحد .
غونيه لم يعطي لشخصياته الرئيسية صفة المساجين عن عبث , و هو الذي قضى جزءاً كبيراً من حياته خلف القضبان , و لكن التساؤل الأكثر أهمية مما طرحه غونيه عبر هذه الشخصيات المكسورة و المقهورة , هو ذات التساؤل الذي دفعه للهرب لفرنسا وقضاء بقية حياته فيها , لماذا التغيير لا يكون للأفضل ؟ , و لماذا ايحاء السجن و ظلمة المعتقل لا تختفي خارجه ؟ , لماذا على هذه الشخصيات أن تختبر أقسى مشاعر الحرمان و القهر خارج السجن و هي التي كانت تنتظر شيئاً من الحياة ظنتها موجودة ؟ , لماذا هذا الانتقال من سجن بواقع إجباري لسجنٍ أكبر بواقع افتراضي ؟ , دياربكر , اضنا , قرى الحدود السورية التركية , كلها اسماء لسجون اخرى بواقع اقسى .
غونيه هنا يتحدث عن المطرقة والسندان , أسطورة الرجل السجين , في تركيا , مطرقة الدولة البوليسية ليست أخف قسوة من سندان التخلف الاجتماعي والتعصب الديني .
الفلم اتخذ شكل ولغة الفلم الايراني السينمائية التي نعرفها جيداً في
افلام مجيدي و بناهي و قوبادي و لكن غونيه هنا كان اكثر حزناً و أكثر تمرداً , بشخصياته التي توزعت على اغلب
انحاء تركيا , تركيا كما يراها غونيه من خلف القضبان ,
فشخصياته عانت ما يكفي من الحرمان في سجنها , حرمان من العائلة و من القرية التي
لها حنين خاص , ولكنها عانت اكثر بعودتها لها , اصبحت حياتها مجزأة بشكل كبير ما
بين سيطرة السجن عليها كفكرة و ما بين التزاماتها خارجه , التزاماتها الاخلاقية و العائلية
و تجاه الماضي .
هذا الفلم يجسد ربما بشكل اكثر صدقاً من كثير من الافلام التي شاهدتها
, ما معنى أن يكون الماضي هو السجن الوحيد الذي يعيش فيه هؤلاء , و لكنه سجنٌ غير
قابلٍ للكسر ، لأنه أصبح جزءاً من هذه الشخصيات ,
الماضي أصبح بالنسبة لهم إلتزاماً أخلاقياً حقيقياً , قد يكون في كثير من
الاحيان التزاماً عديم الشفقة أو الرحمة , لهذا كان طريق يلماظ غير معبد مليء
بالمنعطفات القاسية و المطبات و الحفر التي يقع فيها أولئك المساجين بإرادتهم .
المساجين هنا كانت لديهم الميزة التي لا يملكها آخرون , أن بعودتهم لسجنهم الاجباري , كان بامكانهم دوناً عن الجميع أن يختاروا هذا السجن , فسواهم أصبح محكوماً بسجنٍ افتراضيٍ أكبر و أكثر ظلمة .
المساجين هنا كانت لديهم الميزة التي لا يملكها آخرون , أن بعودتهم لسجنهم الاجباري , كان بامكانهم دوناً عن الجميع أن يختاروا هذا السجن , فسواهم أصبح محكوماً بسجنٍ افتراضيٍ أكبر و أكثر ظلمة .
قرأت مرة أن هذا الفلم بالنسبة للأتراك أشبه بتراثٍ شعبيٍ , فنسبةٌ كبيرةٌ من الشعب التركي شاهد هذا الفلم و أصبح بالنسبة لهم جزءاً من التاريخ الثقافي , بالنسبة لهم كما العراب بالنسبة للأميريكان .
ربما كان الشيء المثير للإهتمام أكثر من غيره في هذا الفلم هو هذا الكم الكبير من الأداءات العظيمة بالمقارنة مع مساحات الدور لكلٍ من هؤلاء الممثلين , أداءات قوية جداً , هذا عدا عن مواقع التصوير التي تم اختيارها بعناية لتعطي افضل ايحاءٍ عن هذا الواقع الذي يتحدث عنه غونيه .
0 التعليقات :
إرسال تعليق