كتب : محمد السجيني
التقييم : 5/5
بطولة : جيسي إيزنبيرغ ، أندرو
غارفيلد ، جاستن تامبرليك
إخراج : ديفيد فينشر (2010)
حدّثتني نفسي كثيراً أن
اكتب عن ديفيد فينشر وحين قرّرت ، كان اختياري هو هذا الفيلم ، لا لأن
الفيلم يُمثّل شباب الألفيّة او لأنّه يُقدِّم ثيمة أحبّها ، و لكن لوجهة نظر
شخصيّة مفادها أن هذا هو أكثر أفلام الرجُل نضجاً و أفضل أداءاته الإخراجيّة
مقارنةً بصعُوبة النص السينمائي .
الفيلم الثامن لديفيد فينشر
يتحدَّث عن تأسيس عملاق التواصل الاجتماعي الفيس بوك ويُراقب التغيّرات النفسيّة التي عاشها مؤسس الشبكة مارك زوكربيرج
و المشاكل التي تعرّض لها ودفاعه عن حقوقه الفكريَّة في انشاء الموقع ، هذا فيلم عظيم ، لم ينتابني أي شك في أي لحظة
خلال مرتين شاهدت فيهما العَمل ، وعظمة الفيلم الكُبرى في رأيي هي النص الذي كتبه آرون سوركين ،
لا أعلم تحديداً كيف استطاع الرجُل ان يُقدّم شخصيّة من أكثر الشخصيات غموضاً في
عصرنا الحالي دون الوقوع في أسرها مع الابتعَاد عن الوله بنجاحها ، يُحكِم بناءها
جيّداً ويجعلها محور الفيلم الأهم ، وعلى جانبٍ آخر لا يهمل إضافة بُهَارات
جانبيّة تضيف لرُوح العَمل و تُثري شخصيّاته التي تدُور حول مارك و بالتالي تخدم
هدف الفيلم الرئيسي ، الرجُل في تقديمه للشخصيّة لا يبدُو مُهتمّاً بتفسيرها ، أو
شرح ردود أفعالها ، هو فقط يُراقبها ، منذ بداية العمل حين تقول له الفتاة "أسمع سوف تصبح شهيراً
وثرياً ، لكنك ستمضي في هذه الغاية معتقداً أن الفتيات لسن معجبات بك لأنهن يعتقدن
أنك فريد ، وأريد أن أخبرك من أعماق قلبي أن هذا ليس صحيحاً ، الصحيح هو أنك أحمق" ، الفيلم من بدايته
يؤسّس لإيمان مارك بعبقريته المُطلَقة التي تصل للنرجسيّة ، هو لا يهتم
بالشَرح لكن يكتفي بالتقدِيم ، و يمضي في بناء مُحكَم في تصوير وحدته وعدم قدرته
علي الاختلاط بالآخرين علي الرغم من انّه ابتكر أهم و أشهر مواقع (التواصل الاجتماعي) في
العالم الآن !!
و هذا النص العظيم ما
كان ليصنَع فيلماً كهذا لولا وجود مُخرج بحجم ديفيد فينشر وراء
الكاميرا ، ديفيد فينشر واحد مّمن أفضلهم وراء الكاميرا منذ ظهوره و حتى
الآن ، الرجُل يبدُو واثقاً مُتفهّماً لما اراد سوركين أن يقوله ، في
تكنيكه السردي ومع كاميرا جيف كرونينوث و مونتاج كيرك باكستر يجعل الفيلم حيوياً ، مُثيراً ، و قابلاً
للمُشاهدة مرّات و مرّات و يترك بصمته كمُخرج مشهدي بالأساس ، في افتتاحيّته او
مشهد (انّها تمطر) العظيم ، او في مشهد المُفارقة في النهاية ، حين
يجلس مؤسس الفيس بوك مُنتظراً قبول طلب صدَاقة ، في واحدة من أفضل
المشاهد الختاميّة لفيلم في 2010 .
على صعِيد الاداءات ،
أداءاتٌ مُمتازة من اندرو جارفيلد و جاستن تامبرليك .. و جيسي ايزنبرج يُقدِّم اداءً مثاليّاً لشخصيّة كهذه ، يعكسها
بشكل مُلائم بشعره المُجعَّد ونظراته التي حين تود أن تهرب تكون عاجزة عن ايجَاد
مكانٍ مُناسب ، طريقته العدائيّة ونرجسيّته وعبقريته ، تلك التي جسّدها في المشهد
الشهير حين سأله المحامي "هل انت معي سيد زوكربيرج ؟" فيجيبه الرجُل بلا مُبالاة
"انها تُمطر" ، ثم ينفجِر فيه مُعلناً انه لا يمنحه الا
اليسير فقط ، وان كُل تفكيره هناك ، في مكاتب الفيس بوك ، فيلم ديفيد فينشر
هذا قبل ان يكُون فيلمًا يُمثّل جيل الألفيَّة كما يقول الكثيرون ، هو فيلم عن ذات
مُنعزلة تسعي لإثبات نفسها و ارضاء نرجسيّتها و طموحها و ترفض ان يُشاركها الآخرون
في نجاحها الشخصي ، عن حِلم تبتدعه وتحقّقه ، لكنّه لن يُغيّرك وستبقي كمَا أنت ،
روح مُنعزلةٌ على جزيرة رغم انّها امتلكت كُل شيء ، هذا واحد من اجود و أعمَق
التجارب التي قدّمتها لي 2010 .
0 التعليقات :
إرسال تعليق