كتب : عماد العذري
التقييم :
4.5/5
بطولة : ديبرا كير ، مارتن ستيفنز ، باميلا فرانكلن
إخراج : جاك كلايتن (1961)
أحب مارتن سكورسيزي في كل شيء ، وراء الكاميرا ، و أمامها ، في حواراته ، و أفكاره ، و نظرته
للسينما ، و عشقه لترميم ما اندثر منها ، و أيضاً في اختياراته السينمائية ، جُلُّ
قائمة مفضلاته لأفلام الرعب هي من مفضلاتي بالرغم من أن بعضها أقل شهرةً مما
اعتدنا رؤيته في أي قائمةٍ مماثلة ، فيلم جاك كلايتن هذا هو واحدٌ منها.
في هذا الفيلم الذي كتب نصه ويليام آرشيبالد و ترومان كابوتي اقتباساً لمسرحيةٍ من مسرحيات برودواي مقتبسةٍ عن رواية هنري جيمس The Turn of the
Screw نتابع مس غيدنز ، مربية أطفالٍ تصل إلى قصرٍ ريفيٍ للإعتناء بالطفلين فلورا و مايلز بناءً على رغبة عمهما المقيم في لندن ، سرعان ما تشكل معهم علاقةً ودية ،
لكن الأمور تبدأ في الإنحراف عندما تقود بعض التصرفات و الحوادث الآنسة غيدنز للشك بأن هناك الكثير المختبيء وراء ابتسامات الصغار ، و أن لهذا القصر
ماضٍ تستحق أن تبحث فيه جيداً .
بالنسبة لي تعد الستينيات أغنى حقب سينما الرعب على الإطلاق ، كلما أتذكر
أنها قدمت لي The Haunting و Kwaidan
و Psycho و Night of the Living
Dead و Rosemart’s Baby أزداد يقيناً بأن لا عقد آخر جاد علي بنعمه
في هذا الصنف كما فعلت الستينيات ، جاء هذا الفيلم في ذروة موضة أفلام التقطيع و
الدم التي عاشت ذروتها الأولى أواخر الخمسينيات و أوائل الستينيات ، و بعد عامٍ
واحدٍ من رائعة ألفريد هيتشكوك Psycho
، في الفيلم الكثير من هيتشكوك ، ربما بمذاقٍ أكثر رعباً و بمزيجٍ من Psycho
و Rebecca معاً ، الإحساس بإثارة العمل
يبدأ باكراً جداً ، بالتهويدة التي نستمع إليها مطلع الفيلم و التي تحولت لواحدة
من أشهر أيقونات سينما الرعب في العقود اللاحقة ، هذه التهويدة مرعبة قبل حتى أن
تعرف أي شيء مما ينتظرك في الفيلم و حتى قبل أن يظهر شعار 20th Century Fox الذي عادةً ما يسبق كل شيء ، يحاول نص آرشيبالد و كابوتي و العمل المحترم من كلايتن كبح جماح تلك الإثارة و جعلها تنسل بالتدريج
على مدار الساعتين اللتين نعيشهما مع الفيلم ، رعب الفيلم مختلفٌ جداً عن رعب
حقبته السينمائية ، يقوم في جوهره على الحفر في التماس بين الماضي
و الحاضر ، موظفاً الرعب القائم على الحسي أكثر من
المادي (على خلاف حقبته) ، من خلال التخيلات و الأشباح و ما خارج كادر الصورة ،
أتذكر أنني أثناء مشاهدتي له أول مرة راهنت أنه سيكون فيلماً من مفضلات غاييرمو ديل تورو ، و قد كان فعلاً .
من أجل تحقيق ذلك تتظافر جهود النص و الرؤية الإخراجية لتصنع شيئاً مختلفاً
، يوفر إخراج جاك كلايتن أولاً البيئة المثالية لهذا النص ، يخلق واحداً من أفضل أفلام (رعب المنزل) قبل عامين على واحدٍ من أفضل أفلامها ، رائعة روبرت وايز The Haunting
، من خلال إخراجٍ فنيٍ ممتازٍ طبعاً ، و تصويرٍ أنيقٍ للغاية من الأوسكاري – للتو -
فريدي فرانسيس ، كادرات و حركة كاميرا فعالة جداً ، خصوصاً
على مستوى الإثارة التي يوفرها من خلال المساحة التي تحيط بالعنصر
ضمن الكادر و مقدار الرعب الذي ينسل منها دون أن نستطيع
مقاومته ، و لا بد للمشاهد من خلال لعبة الضوء و الظلال و موقع العنصر ضمن الكادر
أن يذهب ببصره إلى أطراف الكادر لعله يرى شيئاً بالرغم من أن كلايتن لا يبتذل ذلك مقدار شعرة ، و دون أن ننسى الحديث عن واحدةٍ من أفضل حالات
توظيف التصوير بالشموع في تاريخ السينما كله (الأفضل بالنسبة لي رفقة Barry Lyndon)
، و يعمل النص ثانياً – مدعوماً بتلك الرؤية البصرية - في مساحةٍ قل أن تم اللعب
فيها بهذه المهارة قبله ، علاقة الروح بالجسد و كيف يمكن تناولها من خلال قصة منزلٍ مسكونٍ بأشباحٍ ذات ماضٍ يستحق
البحث فيه ، و الفرصة تحين الآن مع قدوم مس غيدنز إليه ، النص من جهة ينجح بإمتياز في إبقاء الإحتمالين اللذين تقوم عليهما
إثارته فعالين حتى اللحظات الأخيرة و بالمقدار ذاته : أن يكون كل شيء حقيقياً و أن
براءة الأطفال تلك تخفي ورائها الكثير ، أو أن يكون كل شيء من أوهام و تخيلات مس غيدنز ، يدعم تحقق ذلك التوازن أداءاتٌ بارعةٌ من أبطال العمل الأربعة دون
إستثناء و على الأخص أداءان ناضجان جداً من الطفلين ستيفنز و فرانكلن ، أعمق من ذلك يتناول النص محاولة فصل الروح عن الجسد من خلال مقاربة واحدةٍ من أكثر الحالات صلةً بذلك : التلبّس ، يلامس بصورةٍ تستحق الإعجاب عواقب الفكرة على مرحلتين : فصل روح الطفلين
و منحهما أخرى ، ثم محاولة فصل الأخرى من أجل استعادة روحيهما ، يرينا طبيعة
الهارموني الذي يتشكل و يترسخ عندما تلتقي روحٌ ما بجسدٍ جديد ، و العبثية التي قد
تحملها محاولة نسب الجسد إلى روحٍ سابقةٍ لم يعد ينتمي لها و لم تعد تعنيه في شيء
، تاركاً المحاكمة الأخلاقية لما جرى في ملعب المشاهد وحده عندما تتحقق في الختام
جملة الفيلم الشهيرة عن أن (إيقاظ طفلٍ من كابوس ، هو أسوأ من الكابوس ذاته) .
0 التعليقات :
إرسال تعليق