الخميس، 3 أبريل 2014

The Departed

كتب : عماد العذري

التقييم : 5/5

بطولة : ليوناردو ديكابريو ، مات ديمن ، جاك نيكلسن
إخراج : مارتن سكورسيزي (2006)

(هل تعلم من أنا ؟!) سؤال يطرحه فرانك كاستيللو زعيم العصابة الإيرلندية على بيلي كوستيغان رجل الشرطة المندس , ومن هذا السؤال ينطلق العمل السينمائي الثالث و العشرون لمن يعتبره الكثيرون أعظم مخرج على قيد الحياة .

فيلم مارتن سكورسيزي هذا لا يجاري رحلة (البحث عن الذات) التي صورها في تحفته Taxi Driver بل يتحرى نقطة جوهرية لا تقل أهمية عنها : (معرفة الذات) , يقول المحقق كوينان لبيلي كوستيغان قبل توظيفه (هل تريد أن تكون شرطياً ؟ , أم تريد أن تبدو كشرطي؟!) , من هذه النقطة ينطلق فيلم سكورسيزي ليستكشف الفارق الحقيقي (وليس الشاعري) بين ما نبدو عليه وما نحن عليه في الأصل , هل هناك فارق فعلاً ؟ , وهل لهذا الفارق معنى ؟ , وهل يمكننا الحفاظ على ذاتنا التي عرفناها في لعبة الأقنعة هذه ؟ أم أن تلك الأقنعة لا تلبث بمرور الزمن أن تكتسب بعضاً من خصائص الوجه ؟! , في إعادة سكورسيزي العظيمة هذه (وهو أمر لم يكن محور المعالجة الصينية الأصل) تعتقد شخصيتا العمل أنها (شيء) لكنها تبدو للآخرين (شيئاً آخراً) ,   ومع إتاحة الفرصة لـ(الشي الآخر) بالحفاظ على موقعه يبدأ الخوف على (الشيء) من الذوبان و الإضمحلال , في The Departed الشخصيات لا (تبحث) عن ذاتها كما فعل ترافيس بيكل قبل أكثر من ثلاثة عقود , هنا الشخصيات لا (تعرف) ذاتها ومن تكون في الحقيقة , هنا الشخصيات تفقد الولاء لذاتها وتدخل في صراع محموم (دون أن تدرك ذلك) للظفر بالشخصية المزيفة لخصمها متناسية زيف و هشاشة واقعها , فيلم إستثنائي للغاية عن سيكولوجية الشرطي السري (الجرذ) , عن الحد الهلامي جداً بين ما يقوم به و ما هو عليه في الواقع , نص ويليام موناهان لا يكتفي برسم حدود الشخصيات و سير الأحداث بل يعطينا المبررات الحقيقية لما تقوم به , كل رد فعل هنا يحدث عندما يجب أن يحدث , دون قفز , دون مط , دون إنفعالات مصطنعة , والفضل بالطبع يعود لمارتي , الرجل مشرق هنا إلى درجة الإبهار , أخرج شخصيات موناهان من الورق وجعلها تنبض بقوة على الشاشة , نوع من الدراسة السلوكية النفسية للطبيعة المعقدة لهذه الشخصيات , لم أشاهد الكثير من الأعمال المهمة عن (الشرطي السري) لكنني أعتقد أنني شاهدت نخبتها , وبين كل ما شاهدت يبدو فيلم سكورسيزي هو الأعظم , قد يكون هذا أول فيلم لسكورسيزي تبدو فيه الحبكة مهمة لمن يشاهده , في جميع أفلام سكورسيزي نجد الرجل يتحرى – يستكشف – يراقب عن كثب ما يجري لشخصياته , في هذا الفيلم يضع الرجل الحبكة نصب عينيه و يجعلها الأهم بالنسبة للمشاهد , ويجعل رؤيتنا لما يحدث لشخصياته و معالجته للبعد السيكولوجي في عقدة قناعين يحاولان اسقاط بعضهما ينطلق منها أولاً و أخيراً ، هذا عظيم و لم يحدث مع سكورسيزي في أي فيلمٍ آخر أخرجه .

وراء نص موناهان بحبكته و إزدواج شخصيتيه و معالجته البارعة كان المثلث (سكورسيزي / بالهاوس / سكونماكر) خارقاً في كل مشهد , تنويعات الإضاءة و حركة الكاميرا ضمن المشهد و إنسجام المونتيرة العالي مع هذه الحركة ثم علاقة المشهد بما يليه ( بصرياً ) , هارموني عالي المستوى تظافر مع نص موناهان الصلب و مع أداءاتٍ في مستوى مارتن سكورسيزي ليحقق واحدةً من أجود الإعادات في تاريخ السينما .

(عندما تقرر أن تكون شيئاً , فيجب عليك أن تكونه , ذلك مالم يقولوه لك في الكنيسة , عندما كنت بعمرك كانوا يقولون لي : يمكننا أن نكون شرطة أو مجرمين , اليوم ما يمكنني أن أقوله لك في هذا الشأن : عندما تواجه بندقية محشوة , ما الفارق ؟!) ..


0 التعليقات :

إرسال تعليق

Flag Counter