كتب : عماد العذري
التقييم : 5/5
بطولة : ليوناردو ديكابريو ، مات ديمن ، جاك نيكلسن
إخراج : مارتن سكورسيزي (2006)
(هل تعلم من أنا ؟!)
سؤال يطرحه فرانك كاستيللو زعيم العصابة الإيرلندية على بيلي كوستيغان
رجل الشرطة المندس , ومن هذا السؤال ينطلق العمل السينمائي الثالث و العشرون لمن
يعتبره الكثيرون أعظم مخرج على قيد الحياة .
فيلم مارتن سكورسيزي
هذا لا يجاري رحلة (البحث عن الذات) التي صورها في
تحفته Taxi Driver بل يتحرى نقطة جوهرية لا تقل أهمية عنها : (معرفة الذات) , يقول
المحقق كوينان لبيلي كوستيغان قبل توظيفه (هل تريد أن تكون شرطياً ؟ ,
أم تريد أن تبدو كشرطي؟!) , من هذه النقطة ينطلق فيلم سكورسيزي ليستكشف
الفارق الحقيقي (وليس الشاعري) بين ما نبدو عليه وما نحن عليه في
الأصل , هل هناك فارق فعلاً ؟ , وهل لهذا الفارق معنى ؟ , وهل يمكننا
الحفاظ على ذاتنا التي عرفناها في لعبة الأقنعة هذه ؟ أم أن تلك الأقنعة لا تلبث
بمرور الزمن أن تكتسب بعضاً من خصائص الوجه ؟! , في إعادة سكورسيزي العظيمة
هذه (وهو أمر لم يكن محور المعالجة الصينية الأصل) تعتقد شخصيتا العمل أنها (شيء) لكنها
تبدو للآخرين (شيئاً آخراً) , ومع
إتاحة الفرصة لـ(الشي الآخر) بالحفاظ على موقعه يبدأ الخوف على (الشيء) من
الذوبان و الإضمحلال , في The
Departed الشخصيات لا (تبحث) عن
ذاتها كما فعل ترافيس بيكل قبل أكثر من ثلاثة عقود , هنا الشخصيات لا (تعرف) ذاتها
ومن تكون في الحقيقة , هنا الشخصيات تفقد الولاء لذاتها وتدخل في صراع محموم (دون
أن تدرك ذلك) للظفر بالشخصية المزيفة لخصمها متناسية زيف و هشاشة واقعها , فيلم
إستثنائي للغاية عن سيكولوجية الشرطي السري (الجرذ) , عن الحد الهلامي جداً بين ما
يقوم به و ما هو عليه في الواقع , نص ويليام موناهان لا يكتفي برسم حدود الشخصيات و سير الأحداث بل
يعطينا المبررات الحقيقية لما تقوم به , كل رد فعل هنا يحدث عندما يجب أن يحدث ,
دون قفز , دون مط , دون إنفعالات مصطنعة , والفضل بالطبع يعود لمارتي , الرجل مشرق
هنا إلى درجة الإبهار , أخرج شخصيات موناهان من الورق وجعلها تنبض بقوة على الشاشة , نوع من
الدراسة السلوكية النفسية للطبيعة المعقدة لهذه الشخصيات , لم أشاهد الكثير من
الأعمال المهمة عن (الشرطي السري) لكنني أعتقد أنني شاهدت نخبتها , وبين كل ما شاهدت يبدو
فيلم سكورسيزي هو الأعظم , قد يكون هذا أول فيلم لسكورسيزي
تبدو فيه الحبكة مهمة لمن يشاهده , في جميع أفلام سكورسيزي نجد الرجل
يتحرى – يستكشف – يراقب عن كثب ما يجري لشخصياته , في هذا الفيلم يضع الرجل الحبكة نصب عينيه و يجعلها
الأهم بالنسبة للمشاهد , ويجعل رؤيتنا لما يحدث لشخصياته و معالجته للبعد
السيكولوجي في عقدة قناعين يحاولان اسقاط بعضهما ينطلق منها أولاً و أخيراً ، هذا
عظيم و لم يحدث مع سكورسيزي في أي فيلمٍ آخر أخرجه .
وراء نص موناهان بحبكته
و إزدواج شخصيتيه و معالجته البارعة كان المثلث (سكورسيزي / بالهاوس / سكونماكر)
خارقاً في كل مشهد , تنويعات الإضاءة و حركة الكاميرا ضمن المشهد و إنسجام
المونتيرة العالي مع هذه الحركة ثم علاقة المشهد بما يليه ( بصرياً ) , هارموني
عالي المستوى تظافر مع نص موناهان الصلب و مع أداءاتٍ في مستوى مارتن سكورسيزي ليحقق
واحدةً من أجود الإعادات في تاريخ السينما .
(عندما تقرر أن تكون شيئاً ,
فيجب عليك أن تكونه , ذلك مالم يقولوه لك في الكنيسة , عندما كنت بعمرك كانوا
يقولون لي : يمكننا أن نكون شرطة أو مجرمين , اليوم ما يمكنني أن أقوله لك في هذا
الشأن : عندما تواجه بندقية محشوة , ما الفارق ؟!) ..
0 التعليقات :
إرسال تعليق