كتب : فراس محمد
التقييم : 4.5/5
بطولة : جاك تاتي ، جون آبي ، نيكول
راي
إخراج : جاك تاتي (1967)
المدينة كلها اضواء , أبنية تشبه بعضها , واجهات زجاجية , ازرار , كهرباء
, وكلها مصطنع , تافه , بلا معنى , شكلي , غير عملي , ما ينعكس على مرايا الزجاج وبائعة
الزهور هي آخر ما تبقى من ملامح باريس , التي قدمها تاتي قد فقدت خصوصيتها , في احد المشاهد بدت رمزية المعالم التاريخية
بشكل عام في هذا الزمن الذي قدمه الفلم قد تحولت لسلة زبالة للاستعمال المنزلي , الجميع
يدفع نقود لشراء أمور بلا معنى , مكنسة مزودة بضوء كاشف , أبواب لا تصدر ضجيج , مطعم
قيد الانشاء يستقبل حفلة صخب وضجيج ذات ملامح بروجوازية , مدينة مستوردة , كل الكتالوغات بالإنكليزية , الاميركي
هو الشخص الوحيد في الفلم الذي بدى منسجما ومتأقلما مع مدينة الازرار والفوضى هذه .
مسيو هولو , شخصية جاك تاتي الشهيرة
, بدت وكأنها سافرت للمستقبل , كل ما حولها غريب ومليء بالشعوذة وكبس الازرار , حتى
البيوت فقدت خصوصيتها , كل شيء للعرض , سفر تاتي نحو المستقبل ناجح
بتنبؤه , يبدو أن نبوءة تاتي قد تحقق جزء منها , الحضارة معلبة , مستوردة , ولا أعرف إن
كانت مقاربتي صحيحة , ولكن هذا الفلم ذكرني بأوديسيا الفضاء , تقدم
العلم في ذلك الفلم أدى لصنع آلات تستطيع محاكاة الانسان ومشاعره , ولكن في هذا الفلم
يبدو ان الانسان تطبع بصفات الآلة , والكل نسخ عن بعضه البعض .
عظمة هذا الفلم تأتي من سيطرة تاتي على مشاهده وكوادره المتخمة بالتفاصيل , كل زاوية من الشاشة
هناك شيء يحدث , كل تفصيل يحمل معنى أو يصب و يدعم فكرة الفلم , كتصوير لمجتمع استهلاكي
وصل لذروة تصنعه واستهلاكيته , اما المشاهد الاخيرة في الفلم عظيمة بدقة تناسقها وضخامتها
, هذا الفلم يعتمد على الديكورات , على غرابة تصويرها , اصبحت جزء من نمط حياتهم ,
حتى السياح أصبحت باريس بالنسبة لهم متجراً أو معرض للتقنيات , بينما معالم باريس , برج ايفل
, قوس النصر و سواها , أصبحت تقليدية , لا تعني شيئاً , لا يمكن رؤيتها في فلم تاتي إلا إنعكاساً
على الزجاج الذي يُخفي خلفه معالم الحضارة الحديثة .
ربما لو قرر تاتي حالياً "رغم وفاته عام 82" ,, أن يصنع فلماً
, فأعتقد أنه سيكون على ما يحويه من كوميديا أكثر سوداوية من هذا , الحضارة تنحدر بفقدان
خصوصيتها , ويصبح كل شيء , متشابه , وبلا معنى .
0 التعليقات :
إرسال تعليق