كتب
: أحمد أبو السعود
التقييم
: 4.5/5
بطولة
: ريتشارد ويدمارك ، جين تيرني ، غوغي ويذرز
إخراج
: جولز داسن (1950)
لقطة
عامة ليلاً لشارع من شوارع لندن ، يظهر هاري
فابيان في بداية الفيلم هارباً من شخص ما ، وضعية ستظل
لصيقة به طوال أحداث الفيلم مهما ارتقى أو تصور أنه فاز بشيء ما ، فى نهاية الفيلم
يقول هاري فابيان أن ظل
طوال حياته هارباً ، من موظفي الخدمة الاجتماعية ، من أبيه ، من اللصوص ، فهل كان
علينا الانتظار لنهاية الفيلم حتى نعلم مما كان يهرب هاري
فابيان طوال حياته ؟؟
يخلق
الفيلم لنفسه موقعاً متميزاً جداً ، ما بين التيمات البصرية للفيلم النوار و
التعقيدات الذكية لفيلم الجريمة و التتابعات السريعة و الإيقاع اللاهث للأفلام
الرياضية ، هذا التنوع الفريد الذى يتبناه الفيلم واضح جداً فى كل جوانبه ؛
درامياً و بصرياً ، درامياً يُعرفنا الفيلم سريعاً بشخصيته الرئيسية "هاري
فابيان" يظهر في البداية هارباً ، ثم تظهر صفاته
السيئة تباعاً ؛ جبان ، ندل ، و لكنه ذكى و طموح ، تصفه إحدى شخصيات الفيلم بأنه
فنان بلا فن ، يعرف كيف يلتقط الصفقة الرابحة لكن تاريخه و صفاته تمنعه من إتمامها
، الكل يفهمه جيداً و هذه النقطة بالذات كان لها دور كبير في دفع الأحداث و
إعطاءها امتداداً مثيراً ، تظهر له الصفقة التي ستجعله غنياً ، يفعل كل ما يمكن
فعله كي يتمها و هنا التمهيد واضح و قوى جداً لأن تبدأ الجريمة ؛ ليست جريمة قتل ،
و لكنها جريمة نصب ، تلعب المرأة هنا ككل أفلام النوار دوراً كبيراً في رسم خيوط
الجريمة ، المدهش في الأمر أن الخيوط تتشابك و تتعقد في المشهد التالي مباشرة و كأي
رياضة تبدو الشخصيات المتورطة بالجريمة تسدد أهدافاً في مرمى الآخرين ، يأخذك
السيناريو طيلة أحداثه على هذا المنوال ، تحرز شخصيةٌ نقطة لصالحها ثم ما تلبث أن
تخسر نقطة و هكذا ، و تلعب الرياضة نفسها بما تحمله من نبل و فروسية و أصالة دوراً
كبيراً في تعقيد الأمور ، سيناريو ذكى جداً يضعك على خط فاصل بين الشخصيات جميعاً
، ينتصر في جزء صغير منه للقيم النبيلة التي تحملها كل الرياضات ، لكن تبقى
الجريمة و يبقى بناء الشخصية الرئيسية طاغياً على الأحداث منذ اللحظة التى يظهر
فيها هاري هارباً
في بداية الفيلم إلى اللحظة التي ينطلق هارباً فيها فى نهاية الفيلم .
على المستوى البصرى يبدو الفيلم و كأنه فى مباراة رياضية حيث لاعبين يسددون أهدافاُ و آخرين يخسرون ، تتحرك الكاميرا بكل ذكاء بين الشخصيات ، لا تقف عند كونها متابعة للأحداث بل تشارك فى توضيح موقف كل شخصية من الحدث ، فى المشهد الذى تلى اتفاق هاري مع زوجة رب عمله على تفاصيل الجريمة ، يذهب إلى الملهى الليلى منتظراً الوفاء بالرهان الذى كان بينه و بين زوجها ، هو لا يعلم أنه اكتشف كل تفاصيل الجريمة ، يدخل مكتبه سعيداً و منتصراً ، لكن الصورة لا تشي بذلك إطلاقاً ، يبدو هو في الكادر فى وضعية أسفل من وضعية الزوج ، توضح الإضاءة - المتأثرة بالستايل البصرى لأفلام النوار - الدور الذى اتخدته كل شخصية في هذه الجريمة ، و على شريط الصوت تأتى الموسيقى لتدعم ما تنطق به الصورة ، تتباين نبرة الموسيقى بتباين وضعية كل شخصية ، و بتباين طبيعة الحدث الحقيقية لا بما تعتقده الشخصيات ، يظل الفيلم على هذا المنوال طيلة أحداثه ؛ تلعب كل شخصية الدور الذى رسمته لنفسها بكل ثقة و شعور باقتراب الانتصار و تضرب الصورة و الصوت فى عمق تفاصيل الجريمة الحقيقية .
رحلة هروب هاري في آخر الفيلم تستحق الوقوف عندها قليلاً ، عند هذه المرحلة كل شيء قد اتضح و النهاية اقتربت و تستشعر أنت كمشاهد بما ستأتي به ، شخصية هاري تبدو كما لو اكتملت لا ينقصها سوى مصيرها المتوقع ، لكن السيناريو يضيف نبرة ألم إلى هذه النهاية ، ليس تبريراً لما فعلته الشخصية و لكن لكونها كما سيتضح في تلك التتابعات ضعيفة و هشة من الداخل و أن ذكاءها و طموحها كان يخفى وراءها فراغاً و انكساراً ، في تلك التتابعات نفهم كلياً الجملة التي وصفت بها إحدى الشخصيات هاري فابيان أنه فنان بلا فن .
0 التعليقات :
إرسال تعليق