كتب
: محمد السجيني
التقييم :
5/5
بطولة :
تانيا بالايوغولو ، ميكاليس زيكه
إخراج :
ثيو أنجيوبولوس (1988)
"انجيوبوليس
يرصُد الأشياء في هُدوء من خلال عدسَاته ، وثقل هدوئه وقوّة نظرته وثباتها هو ما
يمنح افلامه قوّتها" - اكيرا كيروساوا مُتحدّثاً عن ثيو انجيوبوليس .
في السبعينات ، ظهر
انجيوبوليس ، وجعلنا نتسَاءل ، كيف العالم حولنا ؟ وكيف العالم بداخلنا ؟ تحدَّث
عن المَوت والذاكرة والغُربَة والفن ، رُبّما لا يكون الرجُل مشهوراً وسط هيمنة
ايقاع هوليوود السريع وحبكاتها المُوجّهة ، لكنّي اعتبره واحد من أكثر المُخرجين
أصالة ، لأن افلامه تمزج الحداثة بالكلاسيكيّة ، ولأن افلامه تقف علي الخط الفاصل
بين الواقعيّة والسيرياليّة ، والأهم ، لأن الرجُل في افلامه لم يدّعِ يومًا انّه
يملك الحقيقة الكاملة .
في فيلمه الثامن -
الحاصل علي جائزة افضل فيلم اوروبي لعام 1988 وجوائز النقاد
العالميين والجائزة الكُبري وجائزة افضل مُخرج في مهرجان
فينيسيا في العام ذاته - يعرض لنا انجيوبوليس قصّة طفلة في
الحادية عشرة من عمرها تُدعي فاولا مع اخيها الأصغر الكسندر يقرّران السفر
لألمانيا للبحث عن الأب الراحِل عنهما ، بدون أي معلومات عن الأب سوي خيالات
واحلام تنتاب الطفل الصغير ، الى الآن القصّة
تقليديّة ، لكن انجيوبوليس لا يعرض قصّة البحث فقط ، ولا ينهيها ، نحن لا نعلم بالأساس هل هناك
أب أم لا ، ولا نعلم هل الابناء شرعيين ام لا ، كُلّها امور تختفي في الباطن ويطفو
مكانها علي السَطح ما هو أهم ، الحياة بكاملها هُنا ، زوجة تهرب ليلة عُرسها ،
تُنتشل من البحر ، نحن لا نستطيع التأويل او التصديق ، فقط نُشاهد ونتساءل ، وهذا
ما يُريده الرجُل من افلامه .
في العُمق ، يعرض
العمل قصّة طفلين يتعلّمان كيفيّة رؤية الأشياء ، يُشاهدان الجمال والتدمير ،
والحُب والمَوت ، والاكذوبة والحقيقة ، والأهم انّه يجعل المُشاهد هو المُرافق
الثالث لهما في الرحلة ، ولا يقع في فخ الابتذال العاطفي ، و هو أمر يستحق التقدير
لو وضعنا في الاعتبار ان الفيلم يُقدَّم من وجهة نظر طفلين ، و كعادة الرجُل
يستخدم مشاهد طويلة وايقاعاً بطيئاً ، ينقل كاميراه بحذر ويصوّر ضبابيّة الحياة ،
مع موسيقي عظيمة من ايليني كاريندرو تبدُو كأنّها جُزء لا يتجزأ من نسيج الفيلم .
فيلم انجيوبوليس هذا هو فيلم عن
الضوء الذي نبحث عنه دومًا رغم علمنا انّه ربّما لا يكون موجوداً ، فيلم عنّا بكُل
ما فينا من البراءة الأولي ومن ثمَّ المرور بلحظات الشك ، عن قرارات الرحيل
وتداعياتها علينا ، عن الحُب الطفُولي والعاطفة المفقودَة ، عن عُذريَّة التهمتها
وحوش في رداء بشر ، عن الحياة وتفاصيلها ، تلك التي اذا ما تيقنّا اننا توصّلنا
اخيراً الي فهمها ، ادارت الينا وجهًا جديداً ، ليسخر منّا ، بعد مُشاهدتي الثالثة
لهذا الفيلم ، هذا واحد من أعظم ما شاهدت علي الاطلاق .
0 التعليقات :
إرسال تعليق