كتب : فراس محمد
التقييم
: 5/5
بطولة
: إيراندير سانتوس ، مايف جينكينز
إخراج
: كليبر ميندونسا فيلهو (2012)
طبيعة هذا الفلم الغير واضحة المعالم تفرض على مشاهديه اسلوب غير معتاد
من التلقي , الفلم يخاطب مشاهديه بشكل غير
واضح , يصعب معرفة إن كانت لغته مباشرة او غير مباشرة , بشكل يمكن اعتباره الفلم الاكثر
تجديداً لعام 2012 ، عام Holy
Motors و Cosmopolis و Rhino Season و Tabu .
قيمة هذا الفلم انه يستطيع المراوغة , فلم مراوغ , قيمته في الاحساس بالحلقة الناقصة ,
لدرجة يعطيك شعوراً بوجودها , و أن هذا الغموض كان مجرد وهم , الوهم الذي يستمر مخرج
هذا الفلم بتركيبه بشكل مشهدي , يعطي ايحاء ان المُشاهد دخل متاهة وهمية , ذات جدران
زجاجية , ترى بوابة البداية لكنك لا تعرف كيفية الوصول لها , تشاهد مشهد الختام ( بوابة
النهاية) , لكنك لا تعرف لماذا قضيت طيلة دقائق الفلم محاولاً الوصول لها , عبقرية الفلم انه يوصل مشاهديه للنهاية مغمضي العينين
.
إخراج هذا الفلم يملك مفتاح , دون أن يعطيك القفل , هذا الفلم يذكرني بالأفلام
اليونانية في الفترة الاخيرة , التي تقوم بتركيب الفلم تركيباً يعتمد على إستقلالية
المشهد , و ما يعبر عنه , لكن ما يريد أن يصل له هذا الفلم يختلف عن أفلام يارغوس
لانثيموس صاحب تحفتي Dogtooth و Alpsمثلاً , هذا في حال لم يكن هناك شك في أنه ثمة مكان يصل له , فلعبة الوهم هذه تستحوذ على اهتمام المُشاهد بشكل
كامل كما لو أن الفلم يقدم حبكة أو قصة , والتمعن قليلاً بطريقة السرد الروتينية للغاية
, تقول عكس ذلك .
الحي الذي يتكلم عنه كليبر
ماندونغا فيلهو , تقطن فيه مجموعة من الأسر تنتمي
لعائلة واحدة , علاقاتهم قد تبدو غير طبيعية , ولكنها كذلك , الفلم يوهمك انها غير
طبيعية , اجراءات امنية مشددة لهذا الحي ,
أحد أفراد هذه العائلة يمارس السرقة , لكن لا سلطة عليه , والفلم ايضاً يوهمك
أنه شخصية مريبة , لكنه ليس كذلك , سوف يقام في الحي برج , كما تلك الابراج التي تحيط الحي من كافة اطرافه
, أبراج تبدو وكأنها حاجز اسمنتي بين عالمين
, احدهما فقير , معدم , والآخر لهذه العائلة
الثرية , و قد أعطى الفلم بعض الدلائل عما
يعنيه هذا الامر وخصوصا في افتتاحيته ( الصور الفوتوغرافية السوداء والبيضاء , و مشهد
السينما و محطة القطار المدمرة , الاطفال السود البشرة الذين يظهرون دون مبرر واضح
في بعض المشاهد ) , و لماذا هذه المنطقة المتحضرة
نشأت في منطقة فقيرة كهذه , وكان هذا منبع
الاحساس بغياب الأمان الذي يعيشه هذا الحي و هو نفسه قد يكون مصدر هذا الوهم الذي حاكه
الفلم , عدم الاحساس بالأمان يجعل اي فعل او
حدث , طارئ يأخذ ابعاداً جديدة , كل مشهد من
مشاهد الفلم يعطي انذاراً مختلفاً , و يترك المُشاهد مترقباً على حافة الكرسي , ماذا
سيحدث , ماذا سيحدث , هذا هو سؤال الفلم ,
الذي يطرحه مع كل مشهد , ولكن , الحقيقة
, أن لا شيء يحدث , و إن حدث , فهو حدثٌ أقل من ان يُسأل أو يُستفسر عنه , ولكن ذكاء الفلم يعطيه أبعاداً اخرى , يحرض المادة
الرمادية لدى المُشاهد للربط بين ما حدث , وما سيحدث , وما يتوقع حدوثه , للدرجة التي وصل فيها الفلم , لمشهد الختام , الحدث الغير اعتيادي الوحيد , الذي يشعر المشاهد بعاديته , بطبيعته , وكأن الفلم يستعمل هذا الوهم وهذا الترقب
ليعتاد المُشاهد عليها , كما مشاهد القتل المتكررة
في الافلام تجعل رؤية عملية القتل عملاً اعتيادياً , كما تكرار مشاهد الحرب في النشرات الاخبارية تجعل
رؤية الجثث حدثاً اعتيادياً , الطريقة التي يمارس فيها هذا الفلم اسلوبه عبقريٌ جداً
, يجعل هذا الفلم واحد من اهم و ابرز التجارب
السينمائية التي قدمها عام 2012 , و للحقيقة
, مشاهدة هذا الفلم توحي بأن ما زال هناك الكثير يُقدم في السينما سنوياً دون أن نمر
عليه أو يأخذ حقه من المشاهدة والكتابة , وشكراً
لمجلة Sight & Sound لوضعها الفلم في قائمتها
، يجب أن تؤخذ قائمة هذه المجلة دوماً بعين الاعتبار .
0 التعليقات :
إرسال تعليق