كتب :
أحمد أبو السعود
التقييم
:
5/5
بطولة
:
جوش برولين ، تومي لي جونز ، خافيير بارديم
إخراج
:
جويل و إيثان كوين (2007)
عندما يستيقظ "ليولين / جوش برولين" فى
أحد مستشفيات المكسيك ليجد "كارسون ويلز / وودى هاريلسون" جالساً بجواره يطمئنه بأنه ليس الرجل الذى يلاحقه يرد ليولين عليه بأنه قد رأى ذلك القاتل ، ليأتى الكلام من كارسون بمنتهى التلقائية و البديهية : رأيته ؟! و لم تمت ؟!.
من السهل جداً الإحساس بمقدار الشغف الذى يولده الفيلم بداخلك مع كل مشاهدة
له ، حتى و إن لم ينل إعجابك فى المشاهدة الأولى ، فهناك فى الفيلم ما يدفعك لإعادة
مشاهدته مراراً و تكراراً ، هذه خامس مرة أشاهد فيها تحفة الكوينز هذه ، كل مرة الإعجاب بالعمل يزداد ، لأسباب عديدة منها - على سبيل المثال
لا الحصر - :
*صوت تومى لى جونز : من المرات
القليلة جداً فى تاريخ السينما التى يحدث فيها ذلك التآلف غير المعتاد مع صوت ممثل
فى فيلم بغض النظر عما ينطقه من كلام ، الإحساس الذى يصدره الصوت هو ما يهم : الحكمة
المُغلفة بالهمّ و الضعف و الخوف ، يحمل فى صوته إحساساً بانهيار العالم ، إحساس ينقله
إليك لطريقة عجيبة ، و مع كل ظهور له على الشاشة تتآلف الكاميرا مع تجاعيد وجهه التى
يتصدرها أيضاً الشعور السابق ذكره ، و فى المرة الوحيدة التى تخلت الكاميرا فيها عن
ثباتها الحركى ، كان تومى لى جونز موجوداً فى هذا المشهد ، الثقل النفسى الكاتم على
صدره ، الشعور بالانهيار و عدم جدوى القانون ، ظهوره كظل ؛ مجرد ظل ، بعد ذلك عندما
عاد لمسرح الجريمة و قام بفتح باب الغرفة بينما فى لقطة موازية يظهر "شوجير / خافيير بارديم" ككابوس رابض .
*العبثية : من السهل
أيضاً الإحساس بتسرب هذه الفكرة على كل أحداث الفيلم ؛ عبثية الظروف التى قادت ليولين من رحلة صيد معتادة إلى مطاردة كابوسية يجازف فيها بحياته من أجل حقيبة
مليئة بالأموال ، عبثية القرار التى جعلته يعود لمكان المجزرة ليُعطى ماء لشخص يحتضر
هو يعلم أنه حتماً سيجده قد مات ، عبثية الموت الذى يطارد الجميع بمجرد ظهور
"شوجير" و حياته بأكملها متوقفة على لعبة عملة : نقش أم صورة .
*الكابوسية التى تحملها شخصية "شوجير" بمجرد ظهورها ،
الإحساس بثقل الموت لحظة ظهوره على الشاشة : تسريحة شعره ، نظرات عينيه المليئة بلذة
غير عادية مع كل فعل قتل يقوم به ، طريقة سيره ، نبرات صوته و طريقة نطقه للكلام ،
السلاح العجيب الذى يحمله معه ، و الأهم حضوره القوي حتى و إن لم يكن فى المشهد كالمشهد
الذى تحدثت عنه فى بداية المقال .
*الزخم البصرى الفريد الذى يقدمه الفيلم طارحاً أبعاداً كثيرة لما يقدمه ، و التناغم العظيم
بين شريطى الصوت و الصورة ؛ اللقطات الافتتاحية على سبيل المثال : صوت تومى لى جونز و لقطات كثيرة لأماكن متفرقة تتوزع فيها درجات الإضاءة بين شروق و غروب
و سطوع شمس ، المشهد الوحيد بين "شوجير" و زوجة ليولين ، جلوسه هو فى ركن مظلم من الغرفة و جلوسها هى فى مكان تتوزع فيه الإضاءة
بطريقة خافتة هادئة مرتدية السواد ، و بينهما الضوء ساطعاً ، اللقطة التى يطلب فيها
ليولين من مجموعة من المتسولين
المكسيكين مساعدة طبية و فى خلفية اللقطة كنيسة تسطع أضواءها في إضاءة فجرية للكادر
بأكمله .
*أخيراً و ليس آخراً ، الكابوسية المنتشرة فى الفيلم بأكمله و كون الإنسان
مخلوق بائس ينتظره مصير بائس يرسم تفاصيله بنفسه دون أن يدرى ، و الموت المُحقق المُقبض
الذى يطارده مع كل خطوة يخطوها حتى و لو كانت بدافع إنسانى ، و الإنتظار و مرور الزمن
ببطء قاتل يضرب فى أعماق النفس راسماً تجاعيد على الوجه يراها الجميع حكمة و خبرة و
هي في الحقيقة ضعف و خوف مما هو آتٍ .
0 التعليقات :
إرسال تعليق