كتب
: محمد المصري
التقييم :
5/5
بطولة :
جان لوي ترينتينان ، إيمانويل ريفا
إخراج :
مايكل هانكه (2012)
هُناكَ درس كبير نتعلمه ببطء في الحَياة ، وهو أن التصوُّرات
التي نَحملها عن سَير الأمور وطبائعها .. لَن تُوافق الواقع بالضرورة ، لأن العالَم
مكان صَعب للعَيْش ، وقاسٍ أكثر من اللازم في الكثير من الأحيان .
خُذ مَثلاً ، قصة عن رجل عَجوز في الثمانين من عمره يعتني
بزوجته التي أصيبت بسكتةٍ دماغية ، يبقى بجوارِها ، يُمسك يدها طوال الوقت كي تعرف
–حتى حينَ تغيب- أنه هُنا ، يَجعل لأثرِ خمسين حَولاً أو يزيد من العِشرة والحياة سوياً
مَعنى ، تِلك قصة رومانسية للغاية ، التصوُّر : كم أن هذا جَميلاً ورائعاً عن الحُب
والوفاء ، ولكن الواقع أصعب وأقسى من ذلك فعلاً ، ماذا تعرف عن أوقات الألم ، عن الأنينِ
المُتقطَّع ، عن غياب مَلامح الشَّخص القريب أمامَك كل يوم؟ ماذا تعرف عن بُطءِ الوقت؟
وعن يومٍ بطول 24 ساعة يتكرر إلى ما لا نهاية ولا يَحمل سَوى الموت؟ ، أنتَ لا تَعرف
شيئاً عن كُل هذا ، وبالتالي .. فالتصوُّرات لا مَعنى لها ، يَنْبَغي أن تعيش لكي تَعلم.
طُوالَ شهور في 2012.. انتظرت مُشاهدة فيلم المخرج النمساوي
«مايكل هانِكه» الجديد «Amour» ، الذي استقبل
بعاصفةِ مَديح نقدية كبرى قبل أن يُتوَّج بالسعفة الذهبية لمهرجان كان ، كنت أحمل هذا
«التصوُّر» عن الحكاية ، وما
إن شاهدته حتى «عِشت» الواقع ، عَرفت حَقيقة
الأمور.
هذا فيلم عَظيم عن جوهر الجوهَر الحقيقي للـ«حب» ، وعن الخوفِ
الشديد من الزَّمَن ، «هانِكَه» يخاف فعلاً ، من
العجز ومن الوحدة ومن الاتكاء على الحوائِط والنَّومِ على الأسرَّة دونَ حَراك ، ومن
الزَّمن.. كعدوٍ يَختفي وراء كل هذا ، طَويل البَال جداً ، البطء هو ميزته الأساسية
، «هانِكه» يجعلنا «نعيش» ذلك تماماً ، يَحصرنا مع الزوجين العجوزين في الشقة التي
تم فيها تصوير الأحداث كاملةً ، بإيقاعِ فيه الكثير من بطءِ العَجائز ، نَشعر بالأمور
وهي تسوء في كُل دَقيقة أكثر من سابقتها ، نَرى المرض وهو يُجهز على جَسد «آن» والخَوف يأكل روح «جورج» ، ولا نَحْمِل – أو يَحملوا – سوى العَجز ، وحين يَنتهي
كُل ذلك .. ستكون قد عرفت الكَثير .. تجاوزت التصوُّرات ورأيت الواقع .
وفي كل هذا كان هناك «جان
لوي ترينتيتيان» و«إيمانويل
ريفا» ، «زاد الفيلم» بحسبِ
وصف «هانِكَه» نفسه ، يُمكن مشاهدة
«ترينتيتيان» وهو يَحمل الجِبال
على كَتِفِه ويزداد ثُقلها في كل لحظة ، و«ريفا» وهي تَنْكَمِش وتفقد السَّيطرة على كل جزءٍ في جَسدِها
كلما مرَّ الوقت ، لتفهم لماذا حَمل الفيلم كل هذا الأثر ، وكيف لاثنين من الممثلين
العَجائز ومخرج قلق في السبعين من عمره أن يَصنعوا شيئاً عميقاً وجَميلاً وثقيلاً بهذا
القدر .
0 التعليقات :
إرسال تعليق