السبت، 1 مايو 2010

Days of Heaven

كَتَب : محمد المصري

التقييم : 5/5

بطولة : ريتشارد جير ، بروك أدامز ، سام شيبارد ، ليندا مانز
إخراج : تيرينس ماليك (1978)

في الواقع هذا ليس فيلماً .. هذه قصيدة شعر" - عماد العذري في حديثه عن فيلم ماليك الأول Badlands .

في الواقع .. كُل فيلم قدمه الظاهرة تيرينس ماليك في مسيرته هو عبارة عن قصيدة شعر ! ، هذه المرة يَصنع ثالوثاً من الحُب في إحدى مزارع تكساس مُعطياً الأمر نظرة أكثر عُمقاً وشاعرية بكثير عما هُو مُعتاد في مثل هذه النوعية من القِصص .

في إعادتي الثالثة للعمل الثاني في مسيرة ماليك – الممتدة لأربعة عقود وأربعة أفلام فقط ! – استغرقتُ بالكامل في فكرة التعامل مع عمل سينمائي كأبياتِ قَصيدة ، دائماً ما استمتعت بهذا الفيلم وقدرته ولكن كانت توقفني المفاتيح الدرامية التي يحرك بها ماليك عمله ، كالمشهد الذي يعرف فيه بيل أن المزارع على وشك الموت ، أو الطريقة التي يَشك من خلالها المزارع في علاقة زوجته بمن يفترض كونه أخيها ، أو مَشهد المواجهة الأخير بين بيل والمزارع ، وهي مآخذ منطقية لمن أراد أن يأخذها عليه ، ولكن في المُشاهدة الأخيرة كنت أقول في كُل ثانية : من يهتم ؟؟ ، في قصائد الشعر لا تهتم بالحبكة أو المنطق قدر اهتمامك بكم استغرقت في رَوحِ العمل ، وقد استغرقت تلك المرة حتى الثَمالة !

هذا واحد من أعظم الإنجازات البصرية التي شاهدتها في حياتي ، ماليك يصور ثلاثة أرباع فيلمه في ساعة الغَسَق والغروب أو في لحظات الشروق الأولى ، مانحاً إياه بصمة بصرية ودفعة شعورية لا يمكن نسيانها ، صانعاً من كُل لقطة فيه لَوحَة فَنية بديعة ، مُحولاً الأمر بكامله لشيء أشبه بالحُلم ، هادئ كانسياب المياه في مَجرَى النهر ، وساحِر كلون السماء الذهبي لحظة مُفارقة الشمس لها ، مُتَقَلّب كَحِدّة الطَبيعة التي جعلها ماليك بَطل فيلمه الأول وجَعل من مشاعر أبطاله – العميقة والمتقلبة أيضاً – انعكاساً لها ، لا أظن أنني "اسْتَمَعْتُ" للطبيعة في أي فيلم– باستثناء أفلام أندريه تاركوفسكي - كَفيلم ماليك هذا ، صَوتُ المِيَاة ، الطيور ليلاً وصباحاً ، الرّيحُ القادمة من الجَنوبِ ، القَمْحُ الذي يَهْتَزُ على أَثرها ، حَتى صَوت الجَراد في واحد من أفضل مَشاهد الفيلم ، فَكَما هو واحد من أعظم الإنجازات البصرية ، فهو أيضاً واحد من أعظم الإنجازات على مستوى شريط صوت يُساهِم – بعمق – في افتتانك بما تراه درجة شعورك بملامسته .

وإذا سَلمنا تماماً بأن تيرينس ماليك استثنائي وبَديع درجة الإدهاش ، فإن رجليه في هذا العمل كانا مُدير التصوير الأسباني نيستور ألميندروس بإنجازٍ أكثر من عظيم ، والموسيقار الإيطالي إينيو موريكوني الذي يُزيدُ السّحرُ سِحْرَاً ، صانعاً هُنا واحدة من صفوة الصفوة في أعماله التي تفرضه – بالنسبة لي – كأعظم موسيقي في تاريخ السينما .


0 التعليقات :

إرسال تعليق

Flag Counter