كَتَب : محمد المصري
التقييم : 5/5
بطولة : ريتشارد جير ، بروك أدامز ،
سام شيبارد ، ليندا مانز
إخراج : تيرينس ماليك (1978)
“في الواقع هذا ليس فيلماً .. هذه قصيدة شعر" - عماد العذري في
حديثه عن فيلم ماليك الأول Badlands .
في الواقع .. كُل فيلم قدمه الظاهرة تيرينس ماليك في مسيرته
هو عبارة عن قصيدة شعر ! ، هذه المرة يَصنع ثالوثاً من الحُب في إحدى مزارع تكساس مُعطياً
الأمر نظرة أكثر عُمقاً وشاعرية بكثير عما هُو مُعتاد في مثل هذه النوعية من القِصص
.
في إعادتي الثالثة للعمل الثاني في مسيرة ماليك – الممتدة لأربعة
عقود وأربعة أفلام فقط ! – استغرقتُ بالكامل في فكرة التعامل مع عمل سينمائي كأبياتِ
قَصيدة ، دائماً ما استمتعت بهذا الفيلم وقدرته ولكن كانت توقفني المفاتيح الدرامية
التي يحرك بها ماليك عمله ، كالمشهد الذي يعرف فيه بيل أن المزارع على وشك
الموت ، أو الطريقة التي يَشك من خلالها المزارع في علاقة زوجته بمن يفترض كونه أخيها
، أو مَشهد المواجهة الأخير بين بيل والمزارع ، وهي مآخذ منطقية لمن أراد أن يأخذها عليه ، ولكن
في المُشاهدة الأخيرة كنت أقول في كُل ثانية : من يهتم ؟؟ ، في قصائد
الشعر لا تهتم بالحبكة أو المنطق قدر اهتمامك بكم استغرقت في رَوحِ العمل ، وقد استغرقت
تلك المرة حتى الثَمالة !
هذا واحد من أعظم الإنجازات البصرية التي شاهدتها في حياتي ، ماليك يصور ثلاثة
أرباع فيلمه في ساعة الغَسَق والغروب أو في لحظات الشروق الأولى ، مانحاً إياه بصمة
بصرية ودفعة شعورية لا يمكن نسيانها ، صانعاً من كُل لقطة فيه لَوحَة فَنية بديعة ،
مُحولاً الأمر بكامله لشيء أشبه بالحُلم ، هادئ كانسياب المياه في مَجرَى النهر ، وساحِر
كلون السماء الذهبي لحظة مُفارقة الشمس لها ، مُتَقَلّب كَحِدّة الطَبيعة التي جعلها
ماليك بَطل فيلمه الأول وجَعل من مشاعر أبطاله – العميقة والمتقلبة أيضاً – انعكاساً
لها ، لا أظن أنني "اسْتَمَعْتُ" للطبيعة في أي فيلم– باستثناء أفلام أندريه تاركوفسكي
- كَفيلم ماليك هذا ، صَوتُ المِيَاة ، الطيور ليلاً وصباحاً ، الرّيحُ القادمة من
الجَنوبِ ، القَمْحُ الذي يَهْتَزُ على أَثرها ، حَتى صَوت الجَراد في واحد من أفضل
مَشاهد الفيلم ، فَكَما هو واحد من أعظم الإنجازات البصرية ، فهو أيضاً واحد من أعظم
الإنجازات على مستوى شريط صوت يُساهِم – بعمق – في افتتانك بما تراه درجة شعورك بملامسته
.
وإذا سَلمنا تماماً بأن تيرينس ماليك استثنائي وبَديع درجة الإدهاش ، فإن رجليه في هذا
العمل كانا مُدير التصوير الأسباني نيستور ألميندروس بإنجازٍ أكثر من عظيم ، والموسيقار الإيطالي إينيو موريكوني
الذي يُزيدُ السّحرُ سِحْرَاً ، صانعاً هُنا واحدة من صفوة الصفوة في أعماله التي تفرضه
– بالنسبة لي – كأعظم موسيقي في تاريخ السينما .
0 التعليقات :
إرسال تعليق