كتب : محمد المصري
التقييم : 4.5/5
البطولة : دانييل برول ، كاثرين
ساس
إخراج : فولفجانج بيكر (2003)
حين شاهَدته لأول مرّة صار واحداً من أفلامي
المُفضلة ، أَحببت كُل ما فيه دُون تحفظات ، وأبهرني في جُزئيتين نادراً ما شاهدتُ
عملاً – سينمائياً أو أدبياً – قد تناولهم بذات العُمق ، قِصّة تدور في السنتين المُحيطتين
بانهيار سور برلين وإعلان الوحدة بين الألمانيتين ، يتناول فيه فولفجانج بيكر بنزعة كوميديّة
التغيُّرات التي طرأت على ألمانيا الشرقية – ذات التوجهات الإشتراكية – بعد وحدتها
مع ألمانيا الغربية التي تتبع سياسات رأسماليّة ، عَبر قِصة أم يسارية ومُنتمية للحزب
الشيوعي تُصاب بغيبوبة وحينما تعود للحياة تكون الوحدة قد حدثت ويُحذر الأطباء من أي
قلق أو إزعاج يصيبها حتى لا تتعرض لنوبة قلبية ثانية ، وبدافع الخوف عليها يقرر ابنها
المُراهق أليكس ألا يشعرها بأن أي شيء قد تغير ويُقيم لها وحدها عالماً خيالياً
لَم تسقط فيه ألمانيا الشرقية بعد ، ويَكتشف بعد فترة أنه يَبني لنفسه أيضاً
صورةً مُثلى للوَطنِ الذي كان من المفترض أن يكون .
أعترف بأن تلك المشاهدة قد حملت تحفظات على
الفيلم قلّلت نسبياً من إعجابي غير المشروط به في المشاهدة الأولى ، بعض الإفتعالية
في مواقف قليلة ، البناء الهَش لشخصيّة الأُخت رغم أهميتها ، المبالغة في إظهار الجانب
الإستهلاكي بعد انهيار السور ، ولكن المُهم فعلاً أن ما أبهرني في مُشاهدتي الأولى
قد أبهرني في تلك المشاهدة أيضاً .
يُبهرني أولاً روعة العلاقة بين الأُم والابن
، الأم التي آمَنَت طوال حياتها بأفكارٍ وبَقت لأجلها في أرضٍ كان يُمكن أن تعيش حياة
أفضل بعيداً عنها ، الابن يُدرك قيمة ذلك بالنسبة لها وأَن جُزءاً منها يَعيشُ بتلك
الأفكار وفي ذلك المُجتمع الشرقي وحده ، وهو في المُقابل لَم يُرد سوى أن يُبقيها على
قَيد الحياة ، فيَمنحها حياة موازية تعيش فيها ، الموازنة التي يصنعها فولفجانج بيكر في خلقه لعالم
موازي عَبر شرائط فيديو ومُنتجات مُنقرضة وشُرفة نافذة وتواطؤ صُحبة وبين الشحنة العاطفية
الهادئة لمُراهق يُريدُ لوالدته الحياة ، بين وضعه لعمله في قالب كوميدي ورغم ذلك ابقاءه
لعمقه صلباً وقوياً ومؤثراً بشدة .. موازنة ناجحة لدرجة الدهشة في رأيي .
الجُزئية الثانية التي تُبهرني هي العالم نفسه
، فولفجانج بيكر يتماهى – كما بطله – مع الفكرة ليَصنع منها مُجتمعاً مثالياً
مُتمنى ، أبطاله هُم أبطال الطفولة وقوامه هِيَ الأفكار التي كان يجب أن تبقى ، يتخيّل
الوطن الذي أراده وحلم به ويَرسم حدوده بشجن يُمكن تبيانه حتى مع الحس الكوميدي في
المُعالجة ، تاركاً في نهاية عمله حنيناً عميقاً لأرضٍ لم تَكُن .. وحُلمٌ لم يكتمل
.
هذا هو فيلمي الألماني المُفَضَّل خلال العقد
كاملاً !
0 التعليقات :
إرسال تعليق