التقييم
: 4/5
بطولة
: يحيى الفخراني ، فريد شوقي ، ليلى علوي ، توفيق الدقن
إخراج
: محمد خان (1984)
في أفلامِ خان – خصوصاً الأولى منها
– هُناكَ القاهرة ، الكثير من تفاصيلِ القاهرة ، ضوضائها وتناقضاتها وملامحها وخصوصيتها
، غضبه منها وعشقه لها ، قاهرة اهتم بها كُل مخرجي جيله ولم يُعَبّر عنها أحدٌ مثله
، وفي واحدة من نوباتِ غضبه عليها خَرَجَ إلى الرّيفِ ولَم يَعُد .
يُخبرنا خان بلوحة مكتوبة تظهر
في بداية فيلمه "ربما كانت الشخصيات من الخيال ، ولكن ثق أن الأماكن من الواقع"
، هو واضِح من البداية ، يضع المكان كبطلٍ من أبطاله ، ربما هو البطل الأوّل ، وفي
فيلمٍ صُوَّر بالكامل تقريباً "خارجي" وليس في أستوديو يُمْكِن تَفهُّم أن الحكاية أولاً
وأخيراً عن الأماكِن أكثر بكونها عن الأشخاص ، حنين واضِح لحياةِ الرّيف وتحيُّز لدرجة
التطرُّف إلى هُناك ، الجَنَّة كَما يأتي على لسانِ "خُوخَة" في
مشهدٍ من المشاهد أو بالأحرى حياة أبسط بكثير وأقل همّاً بمراحِل من نظيرتها في المدينة
كَمَا يَشعُر "عَطيَّة" في كُلّ لحظة له هُناك ، حياة تُحاول فيها الاستمتاع
بُكلّ شيء مهما كان بسيطاً ، حتى لو طَبَق "فول مِدَمّس" يَصنعه
كمال بيه ، حياة ذات إيقاع أهدأ وألوانٌ أصفى ومُوسيقى ربّانيّة
، حَياة ينجازُ لها خان – حتى مع علمه بمثالية الصورة التي يرسمها – وينحاز لها بطله
"عطيّه" في النهاية بعد أن جاء إلى هُنا كَيّ يبيع أرضه ويَعود
، فخَرَجَ مِنَ المدينة ولَم يَعُد .
تَعَلَّمنا على يَدّ خان أنّ المكان
دوماً جُزء من الحكاية ، وأن الحديث عن الطّعام أو تحضيره يُمثّل على الأقلِ مَشهداً
في كُلّ فيلم ، وأنّ التفاصيل المنثورة وسط ما يَحدث أهم مما يحدث ، وأنّ الأغاني القديمة
لأصوات مثل أم كلثوم وأسمهان وليلى مُراد وعبد الوهاب دائماً حاضرة ، وهذا كُلُّه موجود هُنا وبكثافَة ، لذلك
لن أتعجّب لو قال خان يوماً أنّ هذا هو أكثر فيلم "استمتع" أثناء
إخراجه ، لأنه بوضوح واحِد من "أمتع" أفلامه أثناء المُشاهدة ، والمُهِم فعلاً أن خان لم يُحاول
أن يَمنَح فيلمه أيّ تنظيرات لا يحتملها ، الفيلم بَسيط وهادئ ومُتحيّز لأخضَرِ الرّيف
، كوميديا قد تكون الأفضل في تاريخِه ويُحاوِل فيها حَصر كُلّ ما يُحبُّه عَبر قصة
شديدة البساطة تَكتسب أهميتها – كفيلمٍ – من التفاصيل التي يَمنحها هو إليها ومن الكيميا
البديعة بين بطليه ، فريد شوقي في أقرب أدواره إلى قلبي على الإطلاق ويحيى الفخراني
بتلقائيته المُثيرة للدهشَة ، حَتّى الأشياء التي أزعجتني – كموسيقى كمال بكير في افتتاحيّة
الفيلم ، أو بعض زوايا طارق التلمساني – لَم تَمَسُّ كثيراً تقديري للعمل ، رُبّما هِيَ
استراحة هادئة لخان بعد عام واحد من تُحفته "الحرّيف" ، ومَا
أجملُ أن تكونَ الاستراحة بمثلِ هذا الجمال !
0 التعليقات :
إرسال تعليق