الأربعاء، 17 مارس 2010

خرج و لم يعد

كتب : محمد المصري

التقييم : 4/5

بطولة : يحيى الفخراني ، فريد شوقي ، ليلى علوي ، توفيق الدقن
إخراج : محمد خان (1984)

في أفلامِ خان – خصوصاً الأولى منها – هُناكَ القاهرة ، الكثير من تفاصيلِ القاهرة ، ضوضائها وتناقضاتها وملامحها وخصوصيتها ، غضبه منها وعشقه لها ، قاهرة اهتم بها كُل مخرجي جيله ولم يُعَبّر عنها أحدٌ مثله ، وفي واحدة من نوباتِ غضبه عليها خَرَجَ إلى الرّيفِ ولَم يَعُد .

يُخبرنا خان بلوحة مكتوبة تظهر في بداية فيلمه "ربما كانت الشخصيات من الخيال ، ولكن ثق أن الأماكن من الواقع" ، هو واضِح من البداية ، يضع المكان كبطلٍ من أبطاله ، ربما هو البطل الأوّل ، وفي فيلمٍ صُوَّر بالكامل تقريباً "خارجي" وليس في أستوديو يُمْكِن تَفهُّم أن الحكاية أولاً وأخيراً عن الأماكِن أكثر بكونها عن الأشخاص ، حنين واضِح لحياةِ الرّيف وتحيُّز لدرجة التطرُّف إلى هُناك ، الجَنَّة كَما يأتي على لسانِ "خُوخَة" في مشهدٍ من المشاهد أو بالأحرى حياة أبسط بكثير وأقل همّاً بمراحِل من نظيرتها في المدينة كَمَا يَشعُر "عَطيَّة" في كُلّ لحظة له هُناك ، حياة تُحاول فيها الاستمتاع بُكلّ شيء مهما كان بسيطاً ، حتى لو طَبَق "فول مِدَمّس" يَصنعه كمال بيه ، حياة ذات إيقاع أهدأ وألوانٌ أصفى ومُوسيقى ربّانيّة ، حَياة ينجازُ لها خان – حتى مع علمه بمثالية الصورة التي يرسمها – وينحاز لها بطله "عطيّه" في النهاية بعد أن جاء إلى هُنا كَيّ يبيع أرضه ويَعود ، فخَرَجَ مِنَ المدينة ولَم يَعُد .

تَعَلَّمنا على يَدّ خان أنّ المكان دوماً جُزء من الحكاية ، وأن الحديث عن الطّعام أو تحضيره يُمثّل على الأقلِ مَشهداً في كُلّ فيلم ، وأنّ التفاصيل المنثورة وسط ما يَحدث أهم مما يحدث ، وأنّ الأغاني القديمة لأصوات مثل أم كلثوم وأسمهان وليلى مُراد وعبد الوهاب دائماً حاضرة ، وهذا كُلُّه موجود هُنا وبكثافَة ، لذلك لن أتعجّب لو قال خان يوماً أنّ هذا هو أكثر فيلم "استمتع" أثناء إخراجه ، لأنه بوضوح واحِد من "أمتع" أفلامه أثناء المُشاهدة ، والمُهِم فعلاً أن خان لم يُحاول أن يَمنَح فيلمه أيّ تنظيرات لا يحتملها ، الفيلم بَسيط وهادئ ومُتحيّز لأخضَرِ الرّيف ، كوميديا قد تكون الأفضل في تاريخِه ويُحاوِل فيها حَصر كُلّ ما يُحبُّه عَبر قصة شديدة البساطة تَكتسب أهميتها – كفيلمٍ – من التفاصيل التي يَمنحها هو إليها ومن الكيميا البديعة بين بطليه ، فريد شوقي في أقرب أدواره إلى قلبي على الإطلاق ويحيى الفخراني بتلقائيته المُثيرة للدهشَة ، حَتّى الأشياء التي أزعجتني – كموسيقى كمال بكير في افتتاحيّة الفيلم ، أو بعض زوايا طارق التلمساني – لَم تَمَسُّ كثيراً تقديري للعمل ، رُبّما هِيَ استراحة هادئة لخان بعد عام واحد من تُحفته "الحرّيف" ، ومَا أجملُ أن تكونَ الاستراحة بمثلِ هذا الجمال !


0 التعليقات :

إرسال تعليق

Flag Counter