الأحد، 14 مارس 2010

دعاء الكروان

كتب : محمد المصري

التقييم : 4.5/5

بطولة : فاتن حمامة ، أحمد مظهر ، زهرة العلا ، أمينة رزق
إخراج : هنري بركات (1959)

في المرحلة التي لَم نَكُن نُريدُ من السّينما إلاّ أن تحكي قصصاً كان هذا واحداً من أعظم أفلامها ..

شاهَدت هذا الفيلم عَشرات المرَّات في صغري ، بِضع من جمله ومشاهده مَثَّلت جزءً من ذاكرة الطفولة ، كُنتُ أُقدره ، وعددته منذُ زمنٍ طويل واحد من أهمِ أفلامنا ، وبالأمسِ حينَ أعدت مشاهدته ، ربما رأيتُ فيه عيوباً لم أرها صبيّاً ولكنّي تصالحت مع مُعظمها حينَ أدركت – أكثر من ذي قبل – كم أنّ هذا الفيلم كلاسيكي الروح وإلى أيّ مَدَى يَبرُع في سَردِ "الحدُّوتة" وكيف استفدنا في تلكَ الفترة من الاعتماد على نصوصٍ أدبية تَمنح نقلات الأحداث – مهما كانت قويَّة – ثُقلاً وتماسكاً واضحاً ، وفي الجانب البصري ، أعجبني أننا استطعنا مُنذُ عقود أن نقدم "صورة سينمائيَّة" بديعة كهذه ، تهتم بتفاصيل المكان وتكوين الكادرات في كُلّ مشهد تقريباً .

بَركات – دون أن يفكّر في ذلك وقتها – استطاع أن يجعل كل ما في هذا الفيلم كلاسيكي النكهة : مأساويَّة الحكاية وتأثيرها العاطفي ، الجُمل الحوارية التي صار بعضها من الثقافة الشعبية في مصر ، بضع مشاهد فيه لن تُنسى ، أيقونية أداء "أمينة رزق وعبد العليم خطّاب" ، موسيقى أندريه رايدر الرائعة جداً ، التعامل مع تيمَة "الحُب .. الانتقام" بشكلِ ناضج وفي قصة مصرية للغاية ، إعطاء الأمر روحاً ملحميَّة عن طريق صوت "الراوية" ثُم ختامه بصوتِ طه حسين نفسه – وبنفس جملة خاتمة الرواية - وصولاً للنهاية ذاتها التي تُحقق عدالة شاعريّة تَليق تماماً بفيلم كلاسيكي ، كلها أشياء جعلته فيلماً خالداً بالفعل .

وإلى جانبها جميعاً هُناك فاتن حمامة ، فاتن جُزء لا يتجزأ من خلودِ هذا الفيلم ، تَصنع – وحدها أحياناً – عُمق النقلات الحادة التي تمرّ بها شخصيتها ، حُزنها يجعلنا نَشعر بقسوة ما حَدث لهنادي ، ألمها يجعلنا نتماهى مع رغبة الانتقام ، براءة وجهها – فقط - تُقنعنا بأن شخصية كالمهندس يمكن أن يتغيَّر من أجلها ، وهي أيضاً من تُعمّق أثر التناقض بين الحُب الذي وُلِدَ في قَلبها تجاه "المُهندس" في مُقابلِ صورة الأخت التي تأُنبها وهاجس الانتقام والكراهية لما لن تستطيع نسيانه أبداً .

في المرحلة التي لَم نَكُن نُريدُ من السّينما إلاّ أن تحكي قصصاً كان هذا واحداً من أعظم أفلامها ، ومع مرور أكثر من نِصفِ قرن على إنتاجه صار من أهم كلاسيكيات السينما العربيّة ، وواحد من أهم الأسباب التي صَنَعت أسطورة فاتن حمامة .


0 التعليقات :

إرسال تعليق

Flag Counter