كتب : محمد المصري
التقييم
: 4.5/5
بطولة
: فاتن حمامة ، أحمد مظهر ، زهرة العلا ، أمينة رزق
إخراج
: هنري بركات (1959)
في المرحلة التي لَم نَكُن نُريدُ من السّينما
إلاّ أن تحكي قصصاً كان هذا واحداً من أعظم أفلامها ..
شاهَدت هذا الفيلم عَشرات المرَّات في صغري
، بِضع من جمله ومشاهده مَثَّلت جزءً من ذاكرة الطفولة ، كُنتُ أُقدره ، وعددته منذُ
زمنٍ طويل واحد من أهمِ أفلامنا ، وبالأمسِ حينَ أعدت مشاهدته ، ربما رأيتُ فيه عيوباً
لم أرها صبيّاً ولكنّي تصالحت مع مُعظمها حينَ أدركت – أكثر من ذي قبل – كم أنّ هذا
الفيلم كلاسيكي الروح وإلى أيّ مَدَى يَبرُع في سَردِ "الحدُّوتة"
وكيف استفدنا في تلكَ الفترة من الاعتماد على نصوصٍ أدبية تَمنح نقلات الأحداث – مهما
كانت قويَّة – ثُقلاً وتماسكاً واضحاً ، وفي الجانب البصري ، أعجبني أننا استطعنا مُنذُ
عقود أن نقدم "صورة سينمائيَّة" بديعة كهذه ، تهتم بتفاصيل المكان وتكوين
الكادرات في كُلّ مشهد تقريباً .
بَركات – دون أن يفكّر في ذلك وقتها – استطاع أن يجعل
كل ما في هذا الفيلم كلاسيكي النكهة : مأساويَّة الحكاية وتأثيرها العاطفي ، الجُمل
الحوارية التي صار بعضها من الثقافة الشعبية في مصر ، بضع مشاهد فيه لن تُنسى ، أيقونية
أداء "أمينة رزق وعبد العليم خطّاب" ، موسيقى أندريه رايدر الرائعة
جداً ، التعامل مع تيمَة "الحُب .. الانتقام" بشكلِ ناضج وفي قصة مصرية للغاية ، إعطاء
الأمر روحاً ملحميَّة عن طريق صوت "الراوية" ثُم ختامه بصوتِ طه حسين نفسه – وبنفس
جملة خاتمة الرواية - وصولاً للنهاية ذاتها التي تُحقق عدالة شاعريّة تَليق تماماً
بفيلم كلاسيكي ، كلها أشياء جعلته فيلماً خالداً بالفعل .
وإلى جانبها جميعاً هُناك فاتن حمامة ، فاتن
جُزء لا يتجزأ من خلودِ هذا الفيلم ، تَصنع – وحدها أحياناً – عُمق النقلات الحادة
التي تمرّ بها شخصيتها ، حُزنها يجعلنا نَشعر بقسوة ما حَدث لهنادي ، ألمها
يجعلنا نتماهى مع رغبة الانتقام ، براءة وجهها – فقط - تُقنعنا بأن شخصية كالمهندس يمكن
أن يتغيَّر من أجلها ، وهي أيضاً من تُعمّق أثر التناقض بين الحُب الذي وُلِدَ في قَلبها
تجاه "المُهندس" في مُقابلِ صورة الأخت التي تأُنبها وهاجس الانتقام
والكراهية لما لن تستطيع نسيانه أبداً .
في المرحلة التي لَم نَكُن نُريدُ من السّينما
إلاّ أن تحكي قصصاً كان هذا واحداً من أعظم أفلامها ، ومع مرور أكثر من نِصفِ قرن على
إنتاجه صار من أهم كلاسيكيات السينما العربيّة ، وواحد من أهم الأسباب التي صَنَعت
أسطورة فاتن حمامة .
0 التعليقات :
إرسال تعليق